للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنْ تَظْهَرَ أَمَارَاتُهُ فَيَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْجَمَاعَةَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ» وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ» فَأَمَّا مَنْ اُسْتُوْصِفَ فَجَهِلَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ كَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي الصَّغِيرَةِ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إذَا لَمْ تَصِفْ الْإِيمَانِ حَتَّى أَدْرَكَتْ فَلَمْ تَصِفْهُ أَنَّهَا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا وَإِذَا ثَبَتَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ كَانَ الْأَعْمَى وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَكَانَ خَبَرُهُمْ حُجَّةً بِخِلَافِ الشَّهَادَاتِ فِي حُقُوقِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى تَمْيِيزٍ زَائِدٍ يَنْعَدِمُ بِالْعَمَى وَإِلَى وِلَايَةٍ كَامِلَةٍ مُتَعَدِّيَةٍ يَنْعَدِمُ بِالرِّقِّ وَتَقْصُرُ بِالْأُنُوثَةِ وَبِحَدِّ الْقَذْفِ عَلَى مَا عُرِفَ

ــ

[كشف الأسرار]

قَالُوا وَهَذَا إذَا وَافَقَ هَذَا الِاسْتِفْهَامَ مَا فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ فَإِنْ اعْتَقَدَهُ فَلَا يُفِيدُ هَذَا الِاسْتِيصَافُ إلَّا بِتَبْدِيلِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ.

ثُمَّ اسْتَوْضَحَ هَذَا بِفِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ، أَلَا يُرَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَوْصَفَ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ عَنْ ذِكْرِ الْجُمَلِ دُونَ التَّفْسِيرِ حَتَّى «قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمْ» وَحِينَ سَأَلَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - عَنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ مَعَالِمَ الدِّينِ بَيَّنَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ وَالْمُطْلَقُ مِنْ هَذَا يَقَعُ عَلَى الْكَامِلِ أَيْضًا يَعْنِي لَا يُكْتَفَى فِي الْإِسْلَامِ بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ وَهُوَ الْبَيَانُ إجْمَالًا كَمَا فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] أَيْ اخْتَبِرُوهُنَّ بِبَيَانِ الشَّهَادَتَيْنِ أَمَرَ بِالِامْتِحَانِ وَالِاسْتِيصَافِ بَعْدَ أَنْ سَمَّاهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِمَا فِي ضَمِيرِهِنَّ وَدَعْوَاهُنَّ الْإِيمَانَ وَهِجْرَتِهِنَّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الِاسْتِيصَافَ فِيهِ شَرْطٌ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَمْتَحِنُ الْأَعْرَابَ بَعْدَ دَعْوَى الْإِيمَانِ مِنْهُمْ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَظْهَرَ أَمَارَاتُهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُطْلَقُ مِنْ هَذَا يَقَعُ عَلَى الْكَامِلِ يَعْنِي لَا يَكْتَفِي فِي الْإِسْلَامِ بِالظَّاهِرِ وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِيصَافُ إلَّا أَنْ تَظْهَرَ أَمَارَاتُ الْإِسْلَامِ فَحِينَئِذٍ لَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِيصَافُ وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ الِاسْتِيصَافَ إنَّمَا يَجِبُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الدَّلَالَاتُ الظَّاهِرَةُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَمَّا فِي حَقِّ مَنْ وُجِدَتْ مِنْهُ نَحْوُ إقَامَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَكْلِ ذَبِيحَتِنَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَقَامَ الْوَصْفِ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ بِإِيمَانِهِ لِلْحَدَثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ فَأَمَّا مَنْ اُسْتُوْصِفَ فَجَهِلَ بِأَنْ وُصِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَا أَعْرِفُ مَا تَقُولُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي نِكَاحِ الْجَامِعِ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ صَبِيَّةً مُسْلِمَةً فَأَدْرَكَتْ وَلَمْ تَصِفْ الْإِسْلَامَ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَةً تَبَعًا وَقَدْ انْقَطَعَتْ التَّبَعِيَّةُ فَإِذَا لَمْ تَصِفْ الْإِسْلَامَ كَانَ ذَلِكَ جَهْلًا مَحْضًا وَالْجَهْلُ بِالصَّانِعِ كُفْرٌ مِنْهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ مُرْتَدَّةً، قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ: وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِأَنْ تُلَقَّنَ الْإِسْلَامَ قَبْلَ الْبُلُوغِ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ احْتِرَازًا عَنْ هَذَا وَعَلَى الزَّوْجِ الِاحْتِيَاطُ بِالنَّظَرِ فِي هَذَا حِينَ تُزَفُّ إلَيْهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ لَمْ تَصِفْ الْإِسْلَامَ أَنَّهَا لَا تُحْسِنُ الْوَصْفَ، وَلَا تَعْرِفُ إنْ وُصِفَ بَيْنَ يَدَيْهَا حَتَّى إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَسْتَوْصِفَهَا الْإِسْلَامَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهَا صِفِي الْإِسْلَامَ فَإِنَّهَا تَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ تُحْسِنُهُ حَيَاءً مِنْ زَوْجِهَا وَلَكِنْ يَصِفُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَيَقُولُ هَذَا اعْتِقَادِي وَظَنِّي بِك أَنَّك تَعْتَقِدِينَ هَذَا فَإِنْ قَالَتْ نَعَمْ كَفَى ذَلِكَ وَكَانَتْ مُسْلِمَةً حَلَالًا لَهُ، وَإِنْ قَالَتْ لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا تَقُولُ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ.

قَوْلُهُ (فَإِذَا ثَبَتَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ) وَهِيَ أَنَّ الْعَقْلَ وَالضَّبْطَ وَالْعَدَالَةَ وَالْإِسْلَامَ مِنْ شَرَائِطِ الرَّاوِي كَانَ الْأَعْمَى وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ لِتَحَقُّقِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>