للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُعْتَادُ مِنْ الْأَمْرِ أَنَّ الْعَدْلَ إذَا وَضَحَ لَهُ الطَّرِيقُ وَاسْتَبَانَ لَهُ الْإِسْنَادُ طَوَى الْأَمْرَ وَعَزَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِذَا لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ الْأَمْرُ نَسَبَهُ إلَى مَنْ سَمِعَهُ لِتَحَمُّلِهِ مَا تَحَمَّلَ عَنْهُ فَعَمَدَ أَصْحَابُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَرَدُّوا أَقْوَى الْأَمْرَيْنِ وَفِيهِ تَعْطِيلُ كَثِيرٍ مِنْ السُّنَنِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَلَمَّا رُوجِعَ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِ أَخِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ.

وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ» الْحَدِيثُ ثُمَّ أَسْنَدَهُ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَسْنَدَهُ إلَى الْفَضْلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ مَذْكُورٌ فِيهِ أَيْضًا وَنُعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ الْجَسَدِ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» ، ثُمَّ كَثُرَتْ رِوَايَتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُرْسَلًا وَلَمَّا أَرْسَلَ هَؤُلَاءِ وَقَبِلَ الصَّحَابَةُ مَرَاسِيلَهُمْ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إنْكَارُ ذَلِكَ وَتَفَحَّصَ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ صَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَوُجُوبِ قَبُولِهِ.

(فَإِنْ قِيلَ) نَحْنُ نُسَلِّمُ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَنَقْبَلُ مَرَاسِيلَهُمْ لِثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ قَطْعًا بِالنُّصُوصِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَنْ بَعْدَهُمْ (قُلْنَا) لَا فَرْقَ بَيْنَ صَحَابِيٍّ يُرْسِلُ وَتَابِعِيٍّ يُرْسِلُ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُمْ ثَبَتَتْ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ أَيْضًا خُصُوصًا إذَا كَانَ الْإِرْسَالُ مِنْ وُجُوهِ التَّابِعِينَ مِثْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَمِثْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَمَكْحُولٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُرْسِلُونَ وَلَا يُظَنُّ بِهِمْ إلَّا الصِّدْقُ، وَقَالَ الْحَسَنُ كُنْت إذَا اجْتَمَعَ لِي أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى حَدِيثٍ أَرْسَلْته إرْسَالًا وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَتَى قُلْت لَكُمْ حَدَّثَنِي فُلَانٌ فَهُوَ حَدِيثُهُ لَا غَيْرُ وَمَتَى قُلْت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعْته مِنْ سَبْعِينَ أَوْ أَكْثَرَ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ مَا كُنَّا نُسْنِدُ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ، وَقَالَ الْأَعْمَشُ قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ إذَا رَوَيْت لِي حَدِيثًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَأَسْنِدْهُ لِي فَقَالَ: إذَا قُلْت لَك حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي رَوَى لِي ذَلِكَ، وَإِذَا قُلْت لَك قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَدْ رَوَاهُ لِي غَيْرُ وَاحِدٍ ثُمَّ تَقُولُ: إرْسَالُ هَؤُلَاءِ الْكِبَارِ، إمَّا أَنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ سَمَاعِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُمْ أَوْ بِاعْتِبَارِ سَمَاعِهِمْ مِنْ عَدْلٍ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَوْ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ كَالْمُسْنَدِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ مَنْ يَسْتَجِيزُ الرِّوَايَةَ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ غَيْرُ عَدْلٍ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مُرْسَلًا وَلَا مُسْنَدًا وَلَا يُظَنُّ بِهِمْ هَذَا وَالثَّانِي بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِأَنَّهُمْ كَتَمُوا مَوْضِعَ الْحُجَّةِ بِتَرْكِ الْإِسْنَادِ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ بِدُونِهِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ وَهُمْ أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ كَالْمُسْنَدِ وَمَا قِيلَ إنَّهُمْ أَرْسَلُوا لِيَطْلُبَ ذَلِكَ فِي الْمَسَانِيدِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُقَالَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إسْنَادُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَذْكُرُوا وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِأَنَّهُمْ تَقَوَّلُوا مَا لَمْ يَسْمَعُوا لِيَطْلُبَ ذَلِكَ فِي الْمَسْمُوعَاتِ وَلَا يُظَنُّ هَذَا بِمَنْ دُونَهُمْ فَكَيْفَ بِهِمْ وَالثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ الْإِسْنَادُ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ بِدُونِهِ فَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ إلَّا الْقَصْدُ إلَى إتْعَابِ النَّفْسِ بِالطَّلَبِ وَلَوْ قَالَ مَنْ لَا يَرَى الِاحْتِجَاجَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّهُمْ إنَّمَا رَوَوْا ذَلِكَ لِيَطْلُبَ ذَلِكَ فِي الْمُتَوَاتِرِ لَا يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ مَقْبُولًا مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ إنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ إنَّمَا قُبِلَتْ لِكَوْنِهِمْ عُدُولًا لَا لِكَوْنِهِمْ صَحَابَةً كَمَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَصَارَ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً لِذَلِكَ ثُمَّ شَهَادَةُ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُدُولِ مَقْبُولَةٌ وَإِجْمَاعُ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ لِوُجُودِ الْعَدَالَةِ فَوَجَبَ قَبُولُ إرْسَالِهِمْ أَيْضًا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ، وَالثَّانِي أَنَّ مِنْ زَمَانِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا يُرْسِلُونَ مِنْ غَيْرِ تَحَاشٍ وَامْتِنَاعٍ وَمَلَؤُا الْكُتُبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>