للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّحَابَةَ تَحَمَّلُوا فِي صِغَرِهِمْ وَنَقَلُوا فِي كِبَرِهِمْ، وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْكَافِرِ يُخْبِرُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ: إنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِخَبَرِهِ وَيَتَوَضَّأُ بِهِ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَأَرَاقَ الْمَاءَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَفِي الْفَاسِقِ جُعِلَ الِاحْتِيَاطُ أَصْلًا

ــ

[كشف الأسرار]

لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهَا لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَيْ لِلصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وِلَايَةٌ مُلْزِمَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا هِيَ مُجَوَّزَةٌ يَعْنِي تَصَرُّفَهُمَا جَائِزُ الثُّبُوتِ حَتَّى لَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ رَأْيُ الْوَلِيِّ يَصِيرُ مُلْزِمًا وَلَوْ كَانَ مُلْزِمًا ابْتِدَاءً لَمْ يَحْتَجْ إلَى انْضِمَامِ رَأْيِهِ إلَيْهِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ يَعْنِي لَوْ قَبِلْنَا خَبَرَهُمَا صَارَتْ وِلَايَتُهُمَا مُتَعَدِّيَةً إلَى الْغَيْرِ مُلْزِمَةً عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْكَافِرِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ مُوجَبُ مَا أَخْبَرَ بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِالشَّرَائِعِ كَانَ خَبَرُهُ مُلْزِمًا عَلَى الْغَيْرِ ابْتِدَاءً وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِلْزَامِ، فَكَذَا الصَّبِيُّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِمَا قُلْنَا أَيْ فِي آخِرِ بَابِ تَفْسِيرِ الشُّرُوطِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ إلَى آخِرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَاقِلٌ بَالِغٌ مُخَاطَبٌ مُسَاوٍ لِلْحُرِّ فِي أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يَكُونُ الْغَيْرُ مَقْصُودًا بِخَبَرِهِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِهِلَالِ رَمَضَانَ فَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَبِالرِّقِّ إنْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ وَمَا فِيهِ الْتِزَامٌ يُسَاوِي الْعَبْدُ الْحُرَّ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا وَقَوْلُهُ، أَلَا تَرَى مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَا يَقُومُ الْحُجَّةُ بِخَبَرِهِمَا أَوَبِقَوْلِهِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ مُتَعَدِّيَةً مُلْزِمَةً، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَيْ بَعْضَهُمْ تَحَمَّلُوا الْأَخْبَارَ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِغَرِهِمْ وَنَقَلُوهَا فِي كِبَرِهِمْ دُونَ صِغَرِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ رِوَايَةُ الصِّغَارِ حُجَّةً لَنَقَلُوهَا فِي صِغَرِهِمْ كَمَا نَقَلُوهَا فِي كِبَرِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَهْلِ قُبَاءَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَيْضًا أَنَّ الَّذِي أَتَاهُمْ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا جَاءَا جَمِيعًا وَأَنَّهُمْ اعْتَمَدُوا عَلَى رِوَايَةِ الْبَالِغِ، وَهُوَ أَنَسٌ دُونَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ بَالِغًا يَوْمَئِذٍ؛ فَإِنَّهُ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا إلَّا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّهُ فِي الْقِتَالِ لِضَعْفِ بِنْيَتِهِ يَوْمَئِذٍ لَا لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) إلَى آخِرِهِ فَرَّقَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الِاحْتِيَاطِ فَأَوْجَبَ الِاحْتِيَاطَ، وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي خَبَرِ الْكَافِرِ فَقَالَ فِي الْكَافِرِ إذَا أَخْبَرَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ لَا يَعْمَلُ الْمَخْبَرُ عَنْهُ بِخَبَرِهِ وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ بَلْ يَتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَلَكِنْ إنْ أَرَاقَ الْمَاءَ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ بَعْدُ كَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَإِنْ تَيَمَّمَ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ وَصَلَّى لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَالْفَاسِقُ إذْ أَخْبَرَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرِيقَ الْمَاءَ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَلَمْ يُرِقْ الْمَاءَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَا يَجُوزُ صَلَاتُهُ فَأَوْجَبَ الِاحْتِرَازَ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْفَاسِقِ حَيْثُ جَوَّزَ التَّيَمُّمَ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ وَلَمْ يُجَوِّزْ التَّوَضُّؤَ بِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ جَعَلَ الِاحْتِيَاطَ أَصْلًا أَيْ بَنَى الْحُكْمَ، وَهُوَ الْجَوَازُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَلَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِرِ حَيْثُ لَمْ يُجَوِّزْ التَّيَمُّمَ بِدُونِ الْإِرَاقَةِ وَجَوَّزَ التَّوَضُّؤَ بِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ الِاحْتِيَاطَ أَيْ التَّحَرِّيَ أَصْلًا فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ؛ فَإِنَّ التَّحَرِّيَ هُوَ الِاحْتِيَاطُ حَيْثُ قَالَ يُحَكِّمُ السَّامِعُ رَأْيَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ خَبَرَهُ حُجَّةً وَلَا هَدَرًا بَلْ جَعَلَ التَّحَرِّيَ فِيهِ أَصْلًا وَلَمْ يَجْعَلْ الِاحْتِيَاطَ أَيْ التَّحَرِّيَ أَصْلًا فِي خَبَرِ الْكَافِرِ حَيْثُ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِهِ أَصْلًا وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى هَذِهِ التَّقَاسِيمِ مَسَائِلُ ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ وَلَا يَجِبُ الْإِرَاقَةُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِهِ وَاجِبٌ وَفِي خَبَرِ الْفَاسِقِ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لَكِنَّ الْإِرَاقَةَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ بَعْدَ التَّثَبُّتِ لَكِنْ مَعَ شُبْهَةٍ فَلِقِيَامِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ أَيْ وُجُوبِ الْعَمَلِ أَمَرْنَاهُ بِالْإِرَاقَةِ وَلِوُجُودِ أَصْلِ الْوُجُوبِ أَوْجَبْنَا التَّيَمُّمَ، وَفِي خَبَرِ الْكَافِرِ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لَكِنْ أَحَبُّ إلَيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>