للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الِاحْتِيَاطِ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الصَّبِيِّ فِيهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ رِوَايَةِ الْكَافِرِ دُونَ الْفَاسِقِ الْمُسْلِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَاسِقَ شَاهِدٌ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرُ غَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا فَصَارَ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ الْبَالِغُ فِي أُمُورِ الدِّينِ سَوَاءً وَالْفَاسِقُ فَوْقَهُمَا حَتَّى أَنَّا نَقُولُ فِي خَبَرِهِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ يَتَيَمَّمُ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةِ الْمَاءِ فَإِنْ أَرَاقَ الْمَاءَ فَهُوَ أَحْوَطُ لِلتَّيَمُّمِ، وَأَمَّا فِي خَبَرِ الْكَافِرِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِ السَّامِعِ صِدْقُهُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَمْ يَتَيَمَّمْ فَإِنْ أَرَاقَ ثُمَّ تَيَمَّمَ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَلِي هَذَا الْعَطْفَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ الْكَافِرُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي حُكْمِ الِاحْتِيَاطِ خَاصَّةً، وَأَمَّا الْمُغَفَّلُ الشَّدِيدُ الْغَفْلَةِ، وَهُوَ مِثْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ فَأَمَّا تُهْمَةُ الْغَفْلَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَخْلُو عَامَّةُ الْبَشَرِ عَنْ ضَرْبِ غَفْلَةٍ إذَا كَانَ عَامَّةُ حَالِهِ التَّيَقُّظَ، وَأَمَّا الْمُسَاهِلُ؛ فَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الْمُجَازِفَ الَّذِي لَا يُبَالِي مِنْ السَّهْوِ وَالْخَطَأِ وَالتَّزْوِيرِ وَهَذَا مِثْلُ الْمُغَفَّلِ إذَا اعْتَادَ ذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ الْعَادَةُ لَلَزِمَ مِنْ الْخِلْقَةِ.

ــ

[كشف الأسرار]

أَنْ يُرِيقَ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَا عَدَالَةَ لَهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ شُبْهَةُ وُجُوبِ الْعَمَلِ ثَابِتَةٌ بِشَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو وِلَايَةٍ عَلَى جِنْسِهِ وَفِي خَبَرِ الصَّبِيِّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ بِخَبَرِهِ شُبْهَةُ وُجُوبِ الْعَمَلِ.

قَوْلُهُ (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ) أَيْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُ الْكَافِرِ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ كَشَأْنِهِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الِاحْتِيَاطِ أَيْ مِنْ الْأَخْذِ بِهِ يَعْنِي لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي الدِّينِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً كَمَا لَمْ يُقْبَلْ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ إلَّا أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَوْ كَانَ فِي الْعَمَلِ بِهِ يُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ بِهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ كَمَا اسْتَحَبَّ الْإِرَاقَةَ ثُمَّ التَّيَمُّمَ هُنَاكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ ثَابِتًا بَيْنَ خَبَرِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الِاحْتِيَاطِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُ خَبَرِهِمَا حُجَّةً كَثُبُوتِهِ فِي إخْبَارِهِمَا عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ فَإِذَا رَوَى الْكَافِرُ حَدِيثًا لَا يَكُونُ حُجَّةً أَصْلًا وَلَكِنْ لَوْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْأَخْذِ بِهِ يَكُونُ الِاسْتِحْبَابُ فِي الْعَمَلِ بِهِ فَوْقَ الِاسْتِحْبَابِ فِي الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْكَافِرِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَدُلُّ سِيَاقُ الْكَلَامِ، فَإِنْ أَرَاقَ الْمَاءَ فَهُوَ أَحْوَطُ لِلتَّيَمُّمِ، أَيْ الْإِرَاقَةُ ثُمَّ التَّيَمُّمُ أَحْوَطُ مِنْ التَّيَمُّمِ بِلَا إرَاقَةٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَاءِ طَاهِرًا وَكَوْنِ الْمُخْبِرِ كَاذِبًا فَيَكُونُ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِرَاقَةِ لِيَصِيرَ عَادِمًا لِلْمَاءِ فَيَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِيَقِينٍ، فَإِنْ أَرَاقَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ فَهُوَ أَفْضَلُ أَيْ الْإِرَاقَةُ ثُمَّ التَّيَمُّمُ أَفْضَلُ مِنْ التَّوَضُّؤِ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا إذْ الْكُفْرُ لَا يُنَافِي الصِّدْقَ فَلَا يَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ وَيَتَنَجَّسُ الْأَعْضَاءُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي إرَاقَتِهِ ثُمَّ التَّيَمُّمُ بَعْدَهُ لِيَحْصُلَ الطَّهَارَةُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ النَّجَاسَةِ بِيَقِينٍ.

وَقَوْلُهُ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِرِ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ لِلتَّوَضُّؤِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ فِي مَسْأَلَةِ الْفَاسِقِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ صِدْقُ الْكَافِرِ فِي إخْبَارِهِ يَتَوَضَّأُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَلَكِنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِهِ تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ خَبَرِهِ وَخَبَرِ الْفَاسِقِ إذْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقَعْ الصِّدْقُ فِي قَلْبِ السَّامِعِ فَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ) أَيْ وَكَالْكَافِرِ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ لِمَا ذُكِرَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ أَيْ يَكُونُ الصَّبِيُّ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَالْكَافِرِ أَيْضًا حَتَّى لَا يُقْبَلَ خَبَرُهُ لِمَا مَرَّ.

وَقَوْلُهُ فِي حُكْمِ الِاحْتِيَاطِ خَاصَّةً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي رَدِّ خَبَرِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ كَمَا أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي رَدِّ خَبَرِ الْكَافِرِ لِتَحَقُّقِ التُّهْمَةِ فِي خَبَرِ هَؤُلَاءِ فَسَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَافِرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْقَوْلِ بِهِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ كَالْكَافِرِ فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُ حُجَّةً خُصُوصًا فِي حُكْمِ الِاحْتِيَاطِ؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي خَبَرِ الْكَافِرِ مُسْتَحَبٌّ مَعَ كُفْرِهِ وَاتِّهَامُهُ بِعَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي خَبَرِ الصَّبِيِّ الْمُسْلِمِ أَوْلَى بِالِاسْتِحْبَابِ أَوْ خُصُوصًا فِي حُكْمِ الِاحْتِيَاطِ؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي خَبَرِ الْكَافِرِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ مَعَ كَمَالِ عَقْلِهِ وَتَدَيُّنِهِ بِحُرْمَةِ الْكَذِبِ فَكَانَ الِاسْتِحْبَابُ وَانْتِفَاءُ الْوُجُوبِ فِي خَبَرِ الصَّبِيِّ أَوْلَى لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ وَعَدَمِ احْتِرَازِهِ عَنْ الْكَذِبِ لَا مِنْهُ مِنْ الْعِقَابِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَا هَاهُنَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ عَنْ السَّلَفِ فِي نَقْلِ هَؤُلَاءِ الْحَدِيثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>