للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عُمُومُ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى سُقُوطِ شَرْطِ الْعَدَالَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ غَيْرُ مُلْزِمٍ فَلَمْ يُشْتَرَطْ شَرْطُ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ أُمُورِ الدِّينِ مِثْلُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَسْلِيمِ الْحَمْلِ وَإِجْرَائِهِ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمَذْكُورُ ثَانِيًا عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ يَعْنِي لَوْ أَجْرَى لَفْظَ الْجَامِعِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّحْكِيمَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ إخْبَارِ الْفَاسِقِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَإِخْبَارِهِ بِالْوَكَالَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَلَكِنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا؛ فَإِنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً وَلِذَلِكَ جَعَلْنَا خَبَرَ الْفَاسِقِ حُجَّةً فِي هَذَا الْبَابِ لَكِنَّهُ يُحَكِّمُ رَأْيَهُ فِي الْفَاسِقِ بِخِلَافِ الْعَدْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ) أَيْ ثُبُوتُ هَذَا الْقِسْمِ بِخَبَرِ كُلِّ مُمَيِّزٍ وَسُقُوطُ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا فِيهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا عُمُومُ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى سُقُوطِ شَرْطِ الْعَدَالَةِ وَسَائِرِ الشَّرَائِطِ سِوَى التَّمْيِيزِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَجِدُ الْعَدْلَ الْحُرَّ الْبَالِغَ الْمُسْلِمَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ لِيَبْعَثَهُ إلَى وَكِيلِهِ أَوْ غُلَامِهِ فَلَوْ شُرِطَ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَا شُرِطَ فِي الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَتَعَطَّلَتْ الْمَصَالِحُ وَفِيهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ فَسَقَطَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا أَثَرًا فِي التَّخْفِيفِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّ شَرْطَ الْعَدَالَةِ فِيهِ لَمْ يَسْقُطْ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ عَدَمِ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِيهِ إذْ فِي الْعُدُولِ الَّذِينَ تَلْقَوْا نَقْلَ الْأَخْبَارِ كَثْرَةٌ، وَقَدْ يَتَمَكَّنُ السَّامِعُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ يَعْمَلُ بِهِ إذَا لَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وَبِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ؛ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ لَيْسَتْ مِثْلَهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ.

وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِخْبَارِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ لِعَدَمِ تَرَجُّحِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ؛ فَإِنَّ اعْتِبَارَ دِينِهِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ فَاعْتِبَارُ تَعَاطِيهِ وَارْتِكَابِهِ مَا يَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي خَبَرِهِ فَيَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا، وَلِهَذَا وَجَبَ التَّثَبُّتُ فِي خَبَرِهِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَاءِ هُوَ الطَّهَارَةُ فَيَتَمَسَّكُ بِهِ وَيَتَوَضَّأُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْأَخْذُ فِيهَا بِخَبَرِ الْفَاسِقِ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِ دَلِيلٍ يَتَمَسَّكُ بِهِ سِوَى الْخَبَرِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَوْعُودُ بَيَانُهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ أَنَّ الْخَبَرَ هَاهُنَا أَيْ فِي هَذَا الْقِسْمِ غَيْرُ مُلْزِمٍ أَيْ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْوَكِيلَ يُبَاحُ لَهُمَا الْإِقْسَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُمَا ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا شُرِطَ لِلْإِلْزَامِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا إذْ الْعَدَالَةُ شُرِطَتْ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الصِّدْقِ فِي الْخَبَرِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُلْزِمًا.

وَكَذَا الْعَدَدُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ شَرْطًا لِتَأْكِيدِ الْإِلْزَامِ فِيمَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ مُنَازَعَةٌ وَخُصُومَةٌ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهِمَا عِنْدَ الْمُسَالَمَةِ وَانْقِطَاعِ الْإِلْزَامِ ثُمَّ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ إذَا كَانَ الْمُبَلِّغُ رَسُولًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فُضُولِيًّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ اشْتِرَاطِهَا فِي حَقِّ الْفُضُولِيِّ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي حَقِّهِ فِي ذَلِكَ الْقِسْمِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُلْزِمًا وَهَذَا الْقِسْمُ خَلَا عَنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ فَهَذِهِ فَائِدَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ.

قَوْلُهُ (بِخِلَافِ أُمُورِ الدِّينِ مِثْلَ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ) فَإِنَّ شَرْطَ الْعَدَالَةِ فِيهَا لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْإِلْزَامِ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّامِعَ يَلْزَمُهُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ إذَا أَخْبَرَ بِطَهَارَتِهِ وَيَلْزَمُهُ التَّحَرُّزُ إذَا أَخْبَرَ بِنَجَاسَتِهِ وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْإِلْزَامِ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَلْ يُفَوَّضُ إلَى اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَكَذَا الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ لِيَكُونَ مُلْزِمًا مِنْ وَجْهٍ، وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ بِالِاتِّفَاقِ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ قُلْت وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>