للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ حَلَّ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

عَلَى مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْفَرْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهَذَا فِطْرٌ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْفِطْرُ غَيْرُ ثَابِتٍ بِشَهَادَةٍ وَإِنْ كَانَتْ تُفْضِي إلَيْهِ بَلْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِانْسِلَاخِ رَمَضَانَ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَكَانَ نَظِيرَ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ؛ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَإِنْ أَفَضْت إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ قَدْ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ وَإِنْ أَكْمَلُوا الْعِدَّةَ بِدُونِ التَّيَقُّنِ بِانْسِلَاخِ رَمَضَانَ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْجَانِبَيْنِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (فَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ) أَيْ فِي قَلْبِ السَّامِعِ صِدْقُ الْمُخْبِرِ حَلَّ لِلسَّامِعِ الْعَمَلُ، وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالتَّصَرُّفِ بِهَذَا الْخَبَرِ؛ فَإِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُ هَدِيَّةَ الطَّعَامِ مِنْ الْبَرِّ التَّقِيِّ وَغَيْرِهِ وَكَانَ يَشْتَرِي مِنْ الْكَافِرِ» وَالْمُعَامَلَاتُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْأَسْوَاقِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا ظَاهِرَةٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُمْ لَا يَشْتَرِطُونَ الْعَدَالَةَ فِيمَنْ يُعَامِلُونَهُ وَأَنَّهُمْ يَعْتَمِدُونَ خَبَرَ كُلِّ مُمَيِّزٍ يُخْبِرُهُمْ بِذَلِكَ لِمَا فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ الْبَيِّنِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ هَذَا الْقَيْدُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ لَازِمٌ؛ فَإِنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ عَلِمَ بِجَارِيَةٍ لِرَجُلٍ وَرَأَى آخَرَ يَبِيعُهَا مُدَّعِيًا لِلْوَكَالَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ إنْ كَانَ عَدْلًا لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَشْتَرِيَهَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ إنْ كَانَ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَكَذَا الْجَوَابُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ يُمْتَنَعُ عَنْهُ وَإِنْ اسْتَوَى الْوَجْهَانِ يُمْتَنَعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ مَا يَقُولُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا فَقِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ سَأَلَ ذَا الْيَدِ فَقَالَ إنِّي قَدْ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهَا لِي أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيَّ أَوْ وَكَّلَنِي بِبَيْعِهَا فَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَشْتَرِيَهَا مِنْهُ وَيَطَأَهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَنَّهُ فِيهِ صَادِقٌ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ إذَا انْضَمَّ إلَى خَبَرِ الْفَاسِقِ يَتَأَيَّدُ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَعْرِضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ فِيمَا لَا تَوَقُّفَ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَالْيَقِينِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ تَحْكِيمَ الرَّأْيِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ فِي الْهَدَايَا وَالْوَكَالَاتِ وَمَا ذُكِرَ هَاهُنَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ وَهَذَا يَتَرَاءَى لِي تَنَاقُصًا فَمَا وَجْهُ التَّقَصِّي عَنْهُ.

قُلْنَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَرَاهِيَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الرَّجُلِ رَأَى جَارِيَةَ الْغَيْرِ فِي يَدِ آخَرَ يَبِيعُهَا وَأَخْبَرَهَا الْبَائِعُ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِبَيْعِهَا وَسِعَهُ أَنْ يَبْتَاعَهَا وَيَطَأَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْكِيمَ الرَّأْيِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ تَفْسِيرًا لِهَذَا فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَسِعَهُ أَنْ يَبْتَاعَهَا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ؛ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَسَعْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَسَعُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ وَسِعَهُ أَنْ يَبْتَاعَهَا وَيَطَأَهَا فَيُحْمَلُ عَلَى الرُّخْصَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ فَنُخَرِّجُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ ظَاهِرٌ فَكَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَصْلُ الْجَوَابِ وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا احْتِيَاطًا وَاسْتِحْبَابًا أَوْ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَأَمَّا تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَالْمَذْكُورُ أَوَّلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>