للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى ذَلِكَ بَنَى مُحَمَّدٌ مَسَائِلَ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ مِثْلَ خَبَرِ الرَّجُلِ أَنَّ فُلَانًا كَانَ غَصَبَ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ فَأَخَذْته مِنْهُ لَمْ يُقْبَلْ، وَلَوْ قَالَ تَابَ فَرَدَّهُ عَلَيَّ قُبِلَ خَبَرُهُ، وَلِهَذَا قَبِلْنَا خَبَرَ الْفَاسِقِ فِي إثْبَاتِ الْإِذْنِ لِلْعَبْدِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: خَبَرُ الْمُخْبِرِ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ عَلَى النِّكَاحِ أَوْ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا أَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ نِكَاحَ زَوْجٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ مُجَوِّزٌ غَيْرُ مُلْزِمٍ وَأَمْثِلَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى وَالشَّهَادَةُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ بَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِلْزَامِ يُقْبَلُ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْإِلْزَامِ وَيُقْبَلُ فِي مَوْضِعِ الْمُسَالَمَةِ مِثْلُ الْوَكَالَاتِ وَنَحْوِهَا لِخُلُوِّهِ عَنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَعَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُسَالَمَةِ بَنَى مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلَ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَلِمَ أَنَّ جَارِيَةً لِرَجُلٍ يَدَّعِيهَا ثُمَّ رَآهَا فِي آخَرَ يَبِيعُهَا وَيَزْعُمُ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ وَأَنَّهُ كَانَ يَدَّعِيهَا غَيْرَ أَنَّهَا كَانَتْ لِي وَإِنَّمَا أَمَرْته بِذَلِكَ لِأَمْرٍ خِفْته وَصَدَّقَتْهُ الْجَارِيَةُ بِذَلِكَ، وَالرَّجُلُ الْبَائِعُ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهَا مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ هَذَا وَلَكِنَّهُ قَالَ ظَلَمَنِي وَغَصَبَنِي فَأَخَذْتهَا مِنْهُ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَعْرِضَ لَهَا بِشِرَاءٍ وَلَا قَبُولٍ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً أَوْ غَيْرَ ثِقَةٍ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَنْ حَالِ مُسَالَمَةٍ وَمُوَاضَعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا فَيُعْتَمَدُ خَبَرُهُ إذَا كَانَ ثِقَةً وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَخْبَرَ عَنْ حَالِ مُنَازَعَةٍ بَيْنَهُمَا فِي غَصْبِ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَاسْتِرْدَادِ هَذَا مِنْهُ فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُ حُجَّةً فَإِنْ قَالَ: إنَّهُ كَانَ ظَلَمَنِي وَغَصَبَنِي ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ظُلْمِهِ فَأَقَرَّ لِي بِهَا وَدَفَعَهَا إلَيَّ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهَا مِنْهُ وَقَبُولِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ حَالِ مُسَالَمَةٍ وَهِيَ إقْرَارُهُ لَهُ بِهَا وَدَفْعُهَا إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: خَاصَمْته إلَى الْقَاضِي فَقَضَى لِي بِالْبَيِّنَةِ وَبِالنُّكُولِ وَأَخَذَهَا مِنْهُ فَدَفَعَهَا إلَيَّ أَوْ قَالَ قَضَى لِي بِهَا فَأَخَذْتهَا مِنْ مَنْزِلِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ أَخْذَهُ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ دَفَعَهَا إلَيْهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالِ مُسَالَمَةٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّ كُلَّ ذِي دِينٍ يَكُونُ مُسْتَسْلِمًا لِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ قَالَ قَضَى لِي بِهَا فَجَحَدَنِي قَضَاءَهُ فَأَخَذْتهَا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ الْقَضَاءَ جَاءَتْ الْمُنَازَعَةُ؛ فَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِالْأَخْذِ فِي حَالِ الْمُنَازَعَةِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِيهَا لَا يَكُونُ حُجَّةً لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِلْزَامِ.

وَنَظِيرُ تَغَيُّرِ الْحُكْمِ بِتَغَيُّرِ الْعِبَارَةِ مَا إذَا قَدِمَ رَجُلٌ لِيُقْتَلَ بِالْخَشَبِ فَقَالَ اُقْتُلُونِي بِالسَّيْفِ يَأْثَمُ وَلَوْ قَالَ لَا تَقْتُلُونِي بِالْخَشَبِ لَا يَأْثَمُ وَلَوْ قَدِمَ الْأَبُ وَالِابْنُ لِلْقَتْلِ فَقَالَ الْأَبُ: قَدِّمُوا ابْنِي لِأَحْتَسِبَ بِالصَّبْرِ عَلَى قَتْلِهِ يَأْثَمُ وَلَوْ قَالَ لَا تُقَدِّمُونِي عَلَى ابْنِي لَا يَأْثَمُ فَعَرَفْنَا أَنْ بِتَغَيُّرِ الْعِبَارَةِ قَدْ يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَلِهَذَا قَبِلْنَا أَيْ وَلِأَنَّ فِي مَوْضِعِ الْمُسَالَمَةِ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ قَبِلْنَا خَبَرَ الْمُخْبِرِ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ عَلَى النِّكَاحِ بِأَنْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَأَخْبَرَ ثِقَةٌ أَنَّهَا قَدْ ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ بِأَنْ غَابَ رَجُلٌ عَنْ امْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَنَّهَا قَدْ مَاتَتْ أَوْ أَخْبَرَهَا مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَبَرِهِ وَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ سِوَاهَا أَوْ بِأُخْتِهَا وَلِلْمَرْأَةِ التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحُرْمَةِ الطَّارِئَةِ بِالرَّضَاعِ أَوْ الْفُرْقَةِ الطَّارِئَةِ بِالْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ مَعْنَى الْمُنَازَعَةِ.

بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْبَرَ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ فَاسِدًا بِسَبَبِ رَضَاعٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ رِدَّةٍ قَائِمَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْحُرْمَةِ الْمُقَارِنَةِ مَعْنَى الْمُنَازَعَةِ إذْ إقْدَامُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ تَصْرِيحٌ بِثُبُوتِ الْحِلِّ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِيهِ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ (وَالشَّهَادَةُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ) الرَّابِعِ لَا خِلَافَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>