للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْقِسْمُ الْخَامِسُ فَمِثْلُ عَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ وَوُقُوعِ الْعِلْمِ لِلْبِكْرِ الْبَالِغَةِ بِإِنْكَاحِ وَلِيِّهَا إذَا سَكَتَتْ وَوُقُوعِ الْعِلْمِ بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَوُجُوبِ الشَّرَائِعِ عَلَى الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ فَفِي هَذَا كُلِّهِ إذَا كَانَ الْمُبَلِّغُ وَكِيلًا أَوْ رَسُولًا مِمَّنْ إلَيْهِ الْإِبْلَاغُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَخْبَرَهُ فُضُولِيٌّ بِنَفْسِهِ مُبْتَدِيًا؛ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَفِي الِاثْنَيْنِ كَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْمُثَنَّى وَلَفْظُ الْكِتَابِ فِي الِاثْنَيْنِ مُحْتَمَلٌ قَالَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ أَوْ رَجُلَانِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ فِيهِمَا نَصًّا

ــ

[كشف الأسرار]

ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّاسَ أَصْبَحُوا يَوْمَ الشَّكِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدِمَ أَعْرَابِيٌّ وَشَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اللَّهُ أَكْبَرُ يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمْ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا بِشَهَادَتِهِ» وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هِيَ شَرْطٌ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ مَقْبُولَةٌ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ مِنْ خَبَرِهِ هَذَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّوْمِ مَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَلِهَذَا يُكْتَفَى فِيهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَخَبَرِ الْفَاسِقِ فِي بَابِ الدِّينِ غَيْرُ مَقْبُولٍ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَكَأَنَّ الشَّيْخَ بِقَوْلِهِ " مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ " اخْتَارَ مَذْهَبَ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ خَبَرَهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ لِلصَّوْمِ بَلْ الْمُوجِبُ هُوَ النَّصُّ وَجَعَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَشْتَرِطَ فِيهِ الْعَدَالَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِيَكُونَ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ دِينِيٌّ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَالشَّهَادَةُ عَلَى هِلَالِ الْأَضْحَى كَالشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ لِتَعَلُّقِ أَمْرٍ دِينِيٍّ بِهِ، وَهُوَ ظُهُورُ وَقْتِ الْحَجِّ الَّذِي هُوَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَهِلَالِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلنَّاسِ بِالتَّوَسُّعِ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقِسْمُ الْخَامِسُ) وَهُوَ الَّذِي فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَمِثْلُ عَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ وَسَائِرِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا وَالْإِخْبَارُ بِالشَّرَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَكِنَّهُ أُلْحِقَ بِهَا لِمَا سَنَذْكُرُهُ فَفِي هَذَا كُلِّهِ إذَا كَانَ الْمُبَلِّغُ وَكِيلًا أَوْ رَسُولًا مِمَّنْ إلَيْهِ الْإِبْلَاغُ بِأَنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمَوْلَى أَوْ الشَّرِيكُ أَوْ رَبُّ الْمَالِ أَوْ الْإِمَامُ أَوْ الْأَبُ وَكَّلْتُك بِأَنْ تُخْبِرَ فُلَانًا بِالْعَزْلِ وَالْحَجْرِ وَنَحْوِهِمَا وَأَرْسَلْتُك إلَى فُلَانٍ لِتُبَلِّغَ عَنِّي إلَيْهِ هَذَا الْخَبَرَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَدَالَةُ بِالِاتِّفَاقِ؛ فَإِنَّ عِبَارَةَ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسَلِ وَكَذَا عِبَارَةُ الْوَكِيلِ فِي هَذَا كَعِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ إذْ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَالرَّسُولِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي غَيْرِهَا ثُمَّ فِي الْمُوَكِّلِ وَالْمُرْسِلِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، فَكَذَا فِيمَنْ قَامَ مَقَامَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فُضُولِيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ مَشَايِخِنَا.

فَأَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ فُضُولِيَّانِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُشْتَرَطُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْمَثْنَى وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ لِاشْتِبَاهِ لَفْظِ الْكِتَابِ أَيْ الْمَبْسُوطِ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ إذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ، فَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ قَالُوا مَعْنَاهُ رَجُلَانِ عَدْلٌ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ عَدْلٌ يَصْلُحُ نَعْتًا لِلْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>