للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَشْتَرِطَ سَائِرَ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ إلَّا الْعَدَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ الْعَدَدُ مَعَ سَائِرِ الشَّرَائِطِ غَيْرُ الْعَدَالَةِ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَإِنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَاتِ وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمًا بِالْعَزْلِ وَالْحَجْرِ فَيَلْزَمُهُ فِيهِ الْعُهْدَةُ مِنْ لُزُومِ عَقْدٍ أَوْ فَسَادِ عَمَلٍ وَمِنْ وَجْهٍ يُشْبِهُ سَائِرَ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَفْسَخُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ بِالْإِطْلَاقِ فَشَرَطْنَا فِيهِ الْعَدَدَ أَوْ الْعَدَالَةَ لِكَوْنِهَا بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ بِخِلَافِ الْمُخْبِرِ إذَا كَانَ رَسُولًا لِمَا قُلْنَا وَفِي شَرْطِ الْمُثَنَّى مِنْ غَيْرِ عَدَالَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فَائِدَةٌ لِتَوْكِيدِ الْحُجَّةِ وَالْعَدَدِ أَثَرٌ فِي التَّوْكِيدِ بِلَا إشْكَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[كشف الأسرار]

وَالْجَمَاعَةِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَصْدَرًا.

قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَلَمْ يَقُلْ عَدْلَيْنِ وَوَجْهُهُ أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقَيْنِ كَخَبَرِ الْفَاسِقِ الْوَاحِدِ فِي أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُلْزِمًا وَإِنَّ التَّوَقُّفَ يَجِبُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ لِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فَائِدَةٌ وَالْفَرِيقُ الثَّانِي قَالُوا: الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ يَخْتَصُّ بِالْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ الْعَدَدِ تَأْثِيرًا فِي سُكُونِ الْقَلْبِ كَمَا أَنَّ لِلْعَدَالَةِ تَأْثِيرًا فِيهِ بَلْ تَأْثِيرُ الْعَدَدِ أَقْوَى؛ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَنْفُذُ وَلَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقَيْنِ يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ ثُمَّ إذَا وُجِدَتْ الْعَدَالَةُ بِدُونِ الْعَدَدِ يُثْبِتُ الْمُخْبِرُ بِهِ فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْعَدَدُ دُونَ الْعَدَالَةِ، ثُمَّ لَا بُدَّ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُخْبِرِ لَهُ وَلَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْمُخْبِرِ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ صِدْقًا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِذَا أَخْبَرَ بِالْعَزْلِ مَثَلًا رَجُلٌ عَدْلٌ أَوْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ غَيْرُ عَدْلَيْنِ يَثْبُتُ الْعَزْلُ بِالْإِجْمَاعِ صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْمُخْبِرِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا غَيْرَ عَدْلٍ وَكَذَّبَهُ الْوَكِيلُ لَا يَنْعَزِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ وَعِنْدَهُمَا يَنْعَزِلُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا فِي الْوَكَالَةِ الَّتِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ حَتَّى يَنْفَرِدَ الْمُوَكِّلُ بِعَزْلِهِ أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ كَالْوَكَالَةِ الثَّابِتَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ.

قَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ) كَذَا يَعْنِي أَنَّ الْعَدَدَ أَوْ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ مِنْ الذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ شَرْطًا مَعَ أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا عَدْلًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا.

وَكَذَا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ غَيْرَ عَدْلَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ أَصْلًا وَإِنْ وُجِدَتْ الْعَدَالَةُ أَوْ الْعَدَدُ لِعَدَمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ وَإِنَّمَا قَالَ يُحْتَمَلُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْمَبْسُوطِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَإِنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ أَيْ الْقِسْمُ الْخَامِسُ وَالرَّابِعُ سَوَاءٌ فَيَثْبُتُ الْعَزْلُ وَالْحَجْرُ بِقَوْلِ كُلِّ مُمَيَّزٍ كَالتَّوْكِيلِ وَالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَاتِ يَعْنِي مَا خَلَا الْإِخْبَارَ بِالشَّرَائِعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ كَالْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَهَذَا لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ ضَرُورَةً تَوْكِيلًا وَعَزْلًا عَلَى مَا يَعْرِضُ لَهُمْ الْحَاجَاتُ فَلَوْ شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ فِي الْخَبَرِ عَنْهَا لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

فَأَمَّا الْإِخْبَارُ بِالشَّرَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَقَدْ أُلْحِقَ بِهَا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِي حَقِّهِ إذْ لَوْ تَوَقَّفَ عَلَى الْعَدَالَةِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَتَفْوِيتِ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْعُدُولِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ قَلَّمَا يَكُونُ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ أُلْحِقَ بِالْمُعَامَلَاتِ وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إنَّهُ أَيْ الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ جِنْسِ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ دُونَ الْجَائِزَةِ وَالْحُقُوقُ اللَّازِمَةُ هِيَ الَّتِي تَلْزَمُ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يَنْفَرِدُ بِإِبْطَالِهَا وَالْجَائِزَةُ عَلَى خِلَافِهَا؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمَوْلَى يُلْزِمُهُ أَيْ الْوَكِيلُ أَوْ الْعَبْدُ حُكْمًا بِالْعَزْلِ أَوْ الْحَجْرِ، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ يَلْزَمُهُ فِيهِ الْعُهْدَةُ مِنْ لُزُومِ عَقْدٍ يَعْنِي فِي الْوَكِيلِ؛ فَإِنَّهُ إذَا انْعَزَلَ يَقْتَصِرُ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ عُهْدَتُهُ أَوْ فَسَادُ عَمَلٍ يَعْنِي فِي الْحَجْرِ عَلَى الْعَبْدِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ نَافِذَ التَّصَرُّفِ وَبِالْحَجْرِ يَخْرُجُ تَصَرُّفَاتُهُ مِنْ الصِّحَّةِ إلَى الْفَسَادِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ قَبِيلِ الْإِلْزَامَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>