للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الْإِجَازَةُ وَالْمُنَاوَلَةُ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ لَهُ عَالِمًا بِمَا فِي الْكِتَابِ أَوْ جَاهِلًا بِهِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ قَدْ نَظَرَ فِيهِ وَفَهِمَ مَا فِيهِ فَقَالَ لَهُ الْمُجِيزُ إنَّ فُلَانًا قَدْ حَدَّثَنَا بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى مَا فَهِمْته بِأَسَانِيدِهِ هَذِهِ فَأَنَا أُحَدِّثُك مِنْهُ وَأَجَزْت لَك الْحَدِيثَ بِهِ فَيَصِحُّ الْإِجَازَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا كَانَ الْمُسْتَجِيزُ مَأْمُونًا بِالضَّبْطِ وَالْفَهْمِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْمُسْتَفِيدُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِمَّا ذُكِرَ مَا هُوَ حِكَايَةُ الْحَالِ حَدَّثَنَا حَدَّثَنِي أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنِي مَنُوطًا بِبَيَانِ صِفَةِ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ أَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي إذَا كَانَ الضَّبْطُ وَالْإِتْقَانُ وَالِاحْتِيَاطُ عَلَى وَجْهِهِ سَوَاءٌ قَرَأَ الْمُحَدِّثُ بِلَفْظِهِ أَوْ قَرَأْت عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ كُلُّهُ سَمَاعٌ جَيِّدٌ أَوْ قَرَارٌ مِنْهُ بِالْمَسْمُوعِ كَالصَّكِّ وَالْإِشْهَادِ قَالَ: وَجَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ أَنْبَأَنَا وَأَنْبَأَنِي وَخَبَّرَنَا وَخَبَّرَنِي وَلَمْ أَسْمَعْ فِيهَا شَيْئًا أَرْتَضِيهِ إلَّا أَنِّي أَحْسِبُ أَنَّ خَبَّرَنَا وَخَبَّرَنِي لِلْكَثْرَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْإِخْبَارِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي الْوَحْدَةِ خَبَّرَنِي وَفِي الْجَمْعِ خَبَّرَنَا.

قَوْلُهُ (وَهُوَ الْإِجَازَةُ وَالْمُنَاوَلَةُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى مَا وَالْإِجَازَةُ أَنْ يَقُولَ الْمُحَدِّثُ لِغَيْرِهِ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ فُلَانٌ وَيُبَيِّنُ إسْنَادَهُ أَوْ يَقُولَ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي جَمِيعَ مَا صَحَّ عِنْدَك مِنْ مَسْمُوعَاتِي وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَسْمُوعِ مِنْ غَيْرِهِ وَسَيَأْتِيك بَيَانُ أَنْوَاعِهَا وَالْمُنَاوَلَةُ أَنْ يُعْطِيَ الشَّيْخُ كِتَابَ سَمَاعِهِ بِيَدِهِ إلَى الْمُسْتَجِيزِ وَيَقُولَ هَذَا كِتَابِي وَسَمَاعِي عَنْ شَيْخِي فُلَانٍ فَقَدْ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي هَذَا كَمَا يُوجِبُهُ الِاحْتِيَاطُ وَالْمُنَاوَلَةُ لِتَأْكِيدِ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمُنَاوَلَةِ بِدُونِ الْإِجَازَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَالْإِجَازَةُ بِدُونِ الْمُنَاوَلَةِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِلْإِجَازَةِ دُونَ الْمُنَاوَلَةِ غَيْرَ أَنَّهَا زِيَادَةُ تَكَلُّفٍ أَحْدَثَهَا بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ تَأْكِيدًا لِلْإِجَازَةِ فَكَانَتْ الْمُنَاوَلَةُ قِسْمًا مِنْ الْإِجَازَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْإِجَازَةِ فَأَبْطَلَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الْوَايِلِيُّ السِّجْزِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْهُ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْخُجَنْدِيُّ عَنْهُ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا إبَاحَةُ التَّحَدُّثِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَدِّثَهُ أَوْ يُخْبِرَهُ وَهَذَا إبَاحَةُ الْكَذِبِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَبِيحَ الْكَذِبَ إذَا أُبِيحَ، وَجَوَّزَهَا الْجُمْهُورُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَى تَجْوِيزِهَا؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحَدِّثٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُبَلِّغُ إلَيْهِ مَا صَحَّ عِنْدَهُ وَلَا يَرْغَبُ كُلُّ طَالِبٍ إلَى سَمَاعِ جَمِيعِ مَا صَحَّ عِنْدَ شَيْخِهِ فَلَوْ لَمْ يُجَوِّزْ الْإِجَازَةَ لَأَدَّى إلَى تَعْطِيلِ السُّنَنِ وَانْدِرَاسِهَا وَانْقِطَاعِ أَسَانِيدِهَا وَلِذَلِكَ كَانَتْ الْإِجَازَةُ مِنْ قَبِيلِ الرُّخْصَةِ لَا مِنْ الْعَزِيمَةِ فَكَانَ قَوْلُهُ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا صَحَّ مِنْ مَسْمُوعَاتِي فِي الْعُرْفِ جَارِيًا مَجْرَى قَوْلِهِ مَا صَحَّ عِنْدَك مِنْ أَحَادِيثِي قَدْ سَمِعْته فَارْوِهِ عَنِّي فَلَا يَكُونُ كَذِبًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَحْصُولِ وَالْمُعْتَمَدِ وَالْإِجَازَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ جَوَازِ الْمَاءِ الَّذِي يَسْقَاهُ الْمَالُ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ يُقَالُ: اسْتَجَزْتُ فُلَانًا فَأَجَازَنِي، إذَا أَسْقَاك مَاءً لِأَرْضِك أَوْ مَاشِيَتِك كَذَلِكَ طَالِبُ الْعِلْمِ يَسْأَلُ الْعَالِمَ أَنْ يُجِيزَهُ عِلْمَهُ فَيُجِيزَهُ إيَّاهُ فَعَلَى هَذَا لِلْمُجِيزِ أَنْ يَقُولَ أَجَزْت فُلَانًا مَسْمُوعَاتِي أَوْ مَرْوِيَّاتِي فَيُعَدَّ بِهِ بِغَيْرِ حَرْفِ جَرٍّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ذِكْرِ لَفْظِ الرِّوَايَةِ، وَيَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ مَنْ يَجْعَلُ الْإِجَازَةَ بِمَعْنَى التَّسْوِيغِ وَالْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فَتَقُولُ أَجَزْت لِفُلَانٍ رِوَايَةَ مَسْمُوعَاتِي مَثَلًا وَمَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ أَجَزْت لَهُ مَسْمُوعَاتِي فَعَلَى سَبِيلِ الْحَذْفِ الَّذِي لَا يَخْفَى نَظِيرُهُ.

ثُمَّ الْإِجَازَةُ إنْ كَانَتْ لِمَوْجُودٍ مُعَيَّنٍ وَكَانَ الْمُجَازُ لَهُ عَالِمًا بِمَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَجَازَهُ بِرِوَايَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهَا وَحَلَّتْ لَهُ الرِّوَايَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَصِحُّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ فَإِنَّ الشَّاهِدَ إذَا وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الصَّكِّ وَكَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فَقَالَ: أَجَزْت لَك أَنْ تَشْهَدَ عَلَيَّ بِجَمِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>