وَإِنَّمَا ذَلِكَ نَظِيرُ سَمَاعِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ وَذَلِكَ أَمْرٌ يُتَبَرَّكُ بِهِ لَا طَرِيقٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَأَمَّا مَنْ جَلَسَ مَجْلِسَ السَّمَاعِ، وَهُوَ يَشْتَغِلُ عَنْهُ بِنَظَرٍ فِي كِتَابٍ غَيْرِ الَّذِي يَقْرَأُ أَوْ يَخُطُّ بِقَلَمٍ أَوْ يَعْرِضُ عَنْهُ بِلَهْوٍ وَلَعِبٍ أَوْ يَغْفُلُ عَنْهُ بِنَوْمٍ وَكَسَلٍ فَلَا ضَبْطَ لَهُ وَلَا أَمَانَةَ وَتُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرَمَ خَطُّهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَا يَقُومُ الْحُجَّةُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَتَّصِلُ الْإِسْنَادُ بِخَبَرِهِ إلَّا مَا يَقَعُ مِنْ ضَرُورَةٍ؛ فَإِنَّهُ عَفْوٌ وَصَاحِبُهُ مَعْذُورٌ
ــ
[كشف الأسرار]
فَرُوِيَ بِهَا وَلَا عَنْ الشِّرْزِمَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الَّذِينَ سَوَّغُوهَا وَالْإِجَازَةُ فِي أَصْلِهَا ضَعْفٌ وَتَزْدَادُ بِهَذَا التَّوَسُّعِ وَالِاسْتِرْسَالِ ضَعْفًا كَثِيرًا لَا يَنْبَغِي احْتِمَالُهُ.
وَالرَّابِعُ الْإِجَازَةُ لِلْمَجْهُولِ أَوْ بِالْمَجْهُولِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَجَزْت لِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَقَدْ اشْتَرَكَتْ جَمَاعَةٌ فِي هَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَوْ يَقُولُ أَجَزْت لِفُلَانٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي كِتَابَ السُّنَنِ، وَهُوَ يَرْوِي جَمَاعَةٌ مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ الْمُعَرَّفَةِ بِذَلِكَ ثُمَّ لَا يُعَيِّنُ فَهَذِهِ إجَازَةٌ فَاسِدَةٌ لَا فَائِدَةَ لَهَا.
وَالْخَامِسُ الْإِجَازَةُ لِلْمَعْدُومِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَجَزْت لِمَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي جَوَازِهِ؛ فَإِنَّ عَطْفَ الْمَعْدُومِ عَلَى الْمَوْجُودِ بِأَنْ قَالَ أَجَزْت لِفُلَانٍ وَلِمَنْ يُولَدُ لَهُ أَوْ أَجَزْت لَك وَلِوَلَدِك وَلِعَقِبِك مَا تَنَاسَلُوا كَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى الْجَوَازِ، وَإِنْ أُجِيزَ لِلْمَعْدُومِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ عَلَى الْمَوْجُودِ فَقَدْ جَوَّزَهُ قَوْمٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ إذْنٌ فِي الرِّوَايَةِ لَا مُحَادَ بِهِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ حَمَلَهُ بِالْمَجَازِ فَكَمَا لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ لِلْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ الْإِجَازَةُ لَهُ وَلَوْ قَدَّرْنَا أَيْضًا أَنَّ الْإِجَازَةَ إذْنٌ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِلْمَعْدُومِ أَيْضًا كَمَا لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ لِلْمَعْدُومِ لِوُقُوعِهِ فِي حَالَةٍ لَا يَصِحُّ فِيهَا الْمَأْذُونُ فِيهِ مِنْ الْمَأْذُونِ لَهُ وَهَذَا أَيْضًا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْإِجَازَةِ لِلطِّفْلِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ قَالَ الْخَطِيبُ سَأَلْت الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ عَنْ الْإِجَازَةِ لِلطِّفْلِ الصَّغِيرِ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّتِهَا سِنُّهُ أَوْ تَمْيِيزُهُ كَمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ سَمَاعِهِ فَقَالَ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ قَالَ فَقُلْت لَهُ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ لَا يَصِحُّ الْإِجَازَةُ لِمَنْ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ فَقَالَ قَدْ يَصِحُّ أَنْ يُجِيزَ لِلْغَائِبِ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ السَّمَاعُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهَا إنَّ الْإِجَازَةَ إبَاحَةُ الْمُجِيزِ لِلْمُجَازِ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ وَالْإِبَاحَةُ يَصِحُّ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِ الْعَاقِلِ قَالَ وَعَلَى هَذَا رَأَيْنَا شُيُوخَنَا كَافَّةً يُجِيزُونَ لِلْأَطْفَالِ الْغُيَّبِ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مَبْلَغِ أَسْنَائِهِمْ وَحَالِ تَمَيُّزِهِمْ وَلَمْ نَرَهُمْ أَجَازُوا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلُودًا وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا الطِّفْلَ أَهْلًا لِتَحَمُّلِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ تَحَمُّلِ الْحَدِيثِ لِيُؤَدِّيَ بِهِ بَعْدَ حُصُولِ أَهْلِيَّتِهِ حِرْصًا عَلَى تَوْسِيعِ السَّبِيلِ إلَى بَقَاءِ الْإِسْنَادِ.
وَالسَّادِسُ: إجَازَةُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْمُجِيزُ لِيَرْوِيَهُ الْمُجَازُ لَهُ إذَا تَحَمَّلَهُ الْمُجِيزُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ فِيهِ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إخْبَارٌ وَلَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ بِمَا لَا خِبْرَةَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَرْوِيَ بِالْإِجَازَةِ عَنْ شَيْخٍ إجَازَةٌ لَهُ جَمِيعُ مَسْمُوعَاتِهِ مَثَلًا أَنْ يَرْوِيَ مَا سَمِعَهُ شَيْخُهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا بَعْدَهَا.
وَالسَّابِعُ: إجَازَةُ الْمُجَازِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَجَزْت لَك مُجَازَاتِي وَأَجَزْت لَك رِوَايَةَ مَا أُجِيزَ لِي رِوَايَتُهُ وَمَنَعَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِبَارٌ بِامْتِنَاعِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَمَا لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ بِالْإِجَازَةِ لِمَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالْمُجَازِ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ بِالسَّمَاعِ لِمَنْ جَلَسَ مَجْلِسَ السَّمَاعِ، وَهُوَ يَشْغَلُ أَيْ يَغْفُلُ عَنْهُ بِسَبَبِ نَظَرٍ فِي كِتَابٍ غَيْرَ الَّذِي يَقْرَأُ كَمَا حَكَى شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ سَيْفَ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ الْبَاخَرْزِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقْرَأُ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَحْبُوبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَمَاعَةٍ وَكَانَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نُسْخَةٌ عَتِيقَةٌ يَنْظُرُ فِيهِ فَاشْتَبَهَ لَفْظٌ يَوْمًا فَقِيلَ اُنْظُرُوا فِي تِلْكَ النُّسْخَةِ الْعَتِيقَةِ فَنَظَرُوا فَإِذَا هِيَ شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ يَسْتَمِعُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ فَلَا ضَبْطَ لَهُ وَلَا أَمَانَةَ إلَى آخِرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَفَاءِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَلِيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute