مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْمُقْتَضِي إنَّمَا يَكُونُ لِصِحَّةِ الْمُقْتَضَى وَمِثَالُهُ الْأَمْرُ بِالتَّحْرِيرِ لِلتَّكْفِيرِ مُقْتَضٍ لِلْمِلْكِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْبَيَانَ مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْأُصُولِ لُغَةً وَتَفْسِيرُ مَعَانِيهَا وَبَيَانُ تَرْتِيبِهَا وَالْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَإِنْ كَانَ يُشْبِهُ الْمُقْتَضَى مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَهْلَ إذَا ثَبَتَ أَيْ صَرَّحَ بِهِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ أَيْ السُّؤَالُ الَّذِي نُسِبَ إلَى الْقَرْيَةِ وَتَعَلَّقَ بِهَا، وَالضَّمِيرُ فِي إلَيْهِ رَاجِعٌ إلَى الْقَرْيَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ الْمَسْئُولِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مِثْلِ هَذَا الضَّمِيرِ وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ فِيهِ أَنَّ التَّأْنِيثَ إنَّمَا يَجِبُ مُرَاعَاةَ حَقِّهِ إذَا كَانَ مُرَتَّبًا عَلَى الْمُذَكَّرِ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ عَلَى صِيغَةِ التَّذْكِيرِ كَضَارِبٍ وَضَارِبَةٍ أَوْ بِصِيغَةٍ غَيْرِ صِيغَةِ التَّذْكِيرِ أَيْ يَكُونُ لَهُ مُذَكَّرٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ حَقِّ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ وَتَعَذُّرِ الْمُرَاعَاةِ كَمَا فِي لَفْظِ الْمَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ مَثَلًا فَإِنَّ تَأْنِيثَهُمَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُرَتَّبًا عَلَى التَّذْكِيرِ إذْ لَيْسَ لَهُمَا مُذَكَّرٌ لَا بِنُقْصَانِ حَرْفِ التَّأْنِيثِ وَلَا بِصِيغَةٍ أُخْرَى اسْتَوَى فِيهِمَا التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ سَوَاءٌ وَصَفْت بِهِ نَحْوَ: اسْمٌ مَعْرِفَةٌ وَاسْمٌ نَكِرَةٌ أَوْ جَعَلْته خَبَرًا نَحْوَ: زَيْدٌ مَعْرِفَةٌ وَالرَّجُلُ مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ الْمُعَرَّفَةِ وَالْمُنَكَّرَةِ؛ لِأَنَّ تَأْنِيثَهُمَا مُرَتَّبٌ فَأَمْكَنَ الْمُرَاعَاةُ وَنَظِيرُهُمَا لَفْظُ اسْمٍ وَشَيْءٍ فَتَقُولُ هَذَا اسْمٌ وَهَذِهِ اسْمٌ، وَهَذَا شَيْءٌ وَهَذِهِ شَيْءٌ.
وَكَذَا الْفِعْلُ وَالْحَرْفُ تَقُولُ: ضَرَبْت: فِعْلٌ، وَضَرَبَ: فِعْلٌ وَرُبَّتْ: حَرْفٌ، وَمِنْ: حَرْفٌ، فَلَا تَقُولُ هَذَا اسْمٌ وَهَذِهِ سِمَةٌ وَهَذَا شَيْءٌ وَهَذِهِ شِيئَةٌ وَضَرَبَ: فِعْلٌ، وَضَرَبْت: فِعْلَةٌ وَمِنْ: حَرْفٌ، وَرُبَّتَ: حَرْفَةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ إذَا لَمْ يَكُونَا مُرَتَّبَيْنِ لَمْ يُرَاعَ حَقُّهُمَا كَذَا فِي الْمُحَصَّلِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ، وَلِهَذَا قَالَ جَارُ اللَّهِ فِي الْمُفَصَّلِ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِمْ رُبَّهُ رَجُلًا نَكِرَةٌ مُبْهَمٌ وَلَمْ يَقُلْ مُبْهَمَةٌ وَلَمَّا كَانَ تَأْنِيثُ الْقَرْيَةِ غَيْرَ مُرَتَّبٍ اسْتَوَى فِيهِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ، وَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك فَإِنَّك تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ كَثِيرًا قَوْلُهُ (مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ) جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ هُنَا وَسَمَّاهُ فِيمَا بَعْدُ مَحْذُوفًا، وَإِلَّا صَارَ مَا لَهُ أَثَرٌ فِي اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ وَبَلْدَةٍ أَيْ وَرُبَّ بَلْدَةٍ وَقَوْلُهُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ بِالْجَرِّ وَالْحَذْفُ بِخِلَافِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى، {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: ١٥٥] ، أَيْ مِنْ قَوْمِهِ وَقَوْلِ الرَّجُلِ اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ بِالنَّصْبِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ النَّظِيرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَكَانَ تَسْمِيَتُهُ بِالْمَحْذُوفِ أَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ هَهُنَا تَوَسُّعٌ، وَمِثَالُهُ أَيْ مِثَالُ الْمُقْتَضَى الْأَمْرُ بِالتَّحْرِيرِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ فَحَرِّرُوا رَقَبَةً مُقْتَضٍ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيرَ الْحُرِّ لَا يُتَصَوَّرُ، وَكَذَا تَحْرِيرُ مِلْكِ الْغَيْرِ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ التَّقْدِيرُ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ ثُمَّ إذَا قَدَّرَ مَذْكُورًا لَمْ يَتَغَيَّرْ مُوجِبُ الْكَلَامِ وَبَقِيَ صَالِحًا لِمَا أُرِيدَ بِهِ، وَهُوَ التَّكْفِيرُ، وَذَكَرَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّابِتُ مُقْتَضًى نَحْوُ قَوْله تَعَالَى، {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُصَاحَبَةُ إلَّا بِالِاتِّفَاقِ وَتَرْكِ الْقَتْلِ فَيَثْبُتُ حُرْمَةُ الْقَتْلِ وَوُجُوبُ الِاتِّفَاقِ مُقْتَضَاهُ سَابِقًا عَلَيْهِ.
هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ الْخَاصِّ كَذَا إلَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ، وَبَيَانُ تَرْتِيبِهَا أَيْ فِي الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ التَّرْتِيبُ فِي الْكُلِّ، وَالْفَصْلُ الرَّابِعُ أَيْ مِنْ الْبَيَانِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ بَيَانَ مَعَانِيهَا لُغَةً فَصْلًا وَبَيَانَ مَعَانِيهَا شَرْعًا فَصْلًا وَبَيَانَ تَرْتِيبِهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ فَصْلًا وَبَيَانَ الْأَحْكَامِ رَابِعَ الْفُصُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute