بَقِيَ فَصْلٌ، وَهُوَ مَا يَحْدُثُ بِخَطِّ أَبِيهِ أَوْ بِخَطِّ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ فِي كِتَابٍ مَعْرُوفٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ وَجَدْت بِخَطِّ أَبِي أَوْ بِخَطِّ فُلَانٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْخَطُّ الْمَجْهُولُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا وَذَلِكَ بَاطِلٌ
ــ
[كشف الأسرار]
الْأَمْنِ حِينَئِذٍ عَنْ التَّبْدِيلِ كَالسِّجِلِّ الَّذِي فِي يَدِ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَيْ وَمِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الصُّكُوكِ؛ فَإِنَّهُ جَوَّزَ الْعَمَلَ فِيهَا بِالْخَطِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّكُّ فِي يَدِ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّبْدِيلُ وَالتَّغْيِيرُ؛ فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ يَثْبُتُ بِالْخَطِّ وَالْخَطُّ قَلَّمَا يُشْبِهُ الْخَطَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا خَلَقَ الْأَجْسَامَ مُتَفَاوِتَةً إظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ خَلَقَ الْأَفْعَالَ كَذَلِكَ فَالْخَطُّ لَا يُشْبِهُ الْخَطَّ إلَّا نَادِرًا وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا اعْتِبَارَ لِتَوَهُّمِ التَّغْيِيرِ؛ فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (بَقِيَ فَصْلٌ) يَعْنِي بَقِيَ فَصْلٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ كِتَابًا بِخَطِّ أَبِيهِ أَوْ بِخَطِّ رَجُلٍ إلَى آخِرِهِ قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ وَنَوْعٌ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْوِجَادَةُ وَتِلْكَ طَرِيقَةٌ مَسْلُوكَةٌ فِي الرِّوَايَةِ أَيْضًا فَإِذَا احْتَاجَ إلَى رِوَايَةِ شَيْءٍ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ سَمَاعٌ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كِتَابٍ صَحِيحٍ أَوْ سَمَاعِ شَيْخٍ ثِقَةٍ مَعْرُوفٍ بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ سَمَاعُهُ الثَّابِتُ وَيَجِبُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ أَوْ يُورِدَهُ فِي كِتَابِهِ وَرِوَايَتِهِ يَقُولُ وَجَدْت فِي كِتَابِ فُلَانٍ بِخَطِّهِ وَسَمَاعِهِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَخْبَرَهُ أَوْ حَدَّثَهُ أَوْ وَجَدْت فِي سَمَاعِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَخْبَرَهُ أَوْ حَدَّثَهُ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي وِجْدَانِ سَمَاعِ نَفْسِهِ بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ وَهَذَا فِي وِجْدَانِ سَمَاعِ الْغَيْرِ وَعِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ إذَا كَانَ بِخَطِّ أَبِيهِ أَوْ بِخَطِّ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْكِتَابِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ وَلَوْ بَعَثَ إلَيْهِ كِتَابًا حَلَّ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ وَيَقُولَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ فَهُنَا كَذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَجَدْت بِخَطِّ أَبِي أَوْ بِخَطِّ فُلَانٍ أَوْ فِي كِتَابِ فُلَانٍ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ التُّهْمَةِ هَكَذَا فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكُتُبَ الْمُصَنَّفَةَ الَّتِي هِيَ مَشْهُورَةٌ فِي أَيْدِي النَّاسِ لَا بَأْسَ لِمَنْ نَظَرَ فِيهَا وَفَهِمَ شَيْئًا مِنْهَا وَكَانَ مُتْقِنًا فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَالَ فُلَانٌ كَذَا أَوْ مَذْهَبُ فُلَانٍ كَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي؛ لِأَنَّهَا مُسْتَفِيضَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ يُوقَفُ بِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا مُعْتَمَدًا يُؤْمَنُ فِيهِ التَّصْحِيفُ وَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُسْتَصْفَى إذَا رَأَى مَكْتُوبًا بِخَطِّ ثِقَةٍ أَنِّي سَمِعْت عَنْ فُلَانٍ كَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَالَهُ وَالْخَطُّ لَا يَعْرِفُهُ هَذَا نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ رَأَيْت مَكْتُوبًا فِي كِتَابٍ بِخَطٍّ ظَنَنْتُ أَنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ؛ فَإِنَّ الْخَطَّ قَدْ يُشْبِهُ الْخَطَّ، أَمَّا إذَا قَالَ هَذَا خَطِّي فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يُرْوَى عَنْهُ مَا لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى الرِّوَايَةِ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ أَوْ بِقَرِينَةِ حَالِهِ كَالْجُلُوسِ لِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ، أَمَّا إذَا قَالَ عَدْلٌ هَذِهِ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ نُسَخِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَثَلًا فَرَأَى فِيهِ حَدِيثًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ وَلَكِنْ هَلْ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُجْتَهِدَ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ.
وَقَالَ قَوْمٌ إذَا عَلِمَ صِحَّةَ النُّسْخَةِ بِقَوْلِ عَدْلٍ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ صُحُفَ الصَّدَقَاتِ إلَى الْبِلَادِ وَكَانَ الْخَلْقُ يَعْتَمِدُونَ تِلْكَ الصُّحُفَ بِشَهَادَةِ حَامِلِي الصُّحُفِ بِصِحَّتِهَا دُونَ أَنْ يَسْمَعَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute