وَمِنْ ذَلِكَ طَعْنُهُمْ بِالتَّدْلِيسِ وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِلَ الْحَدِيثُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا وَسَمَّوْهُ عَنْعَنَةً؛ لِأَنَّ هَذَا يُوهِمُ شُبْهَةَ الْإِرْسَالِ وَحَقِيقَتُهُ لَيْسَ بِجَرْحٍ عَلَى مَا مَرَّ فَشُبْهَتُهُ أَوْلَى
ــ
[كشف الأسرار]
بِرِوَايَتِهِ.
فَالْأَوَّلُ دَلَالَةُ الْإِتْقَانِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْجَرْحِ، وَالثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةٌ بِطَرِيقِ الْوِجَادَةِ وَهُوَ طَرِيقٌ مَسْلُوكٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. الْإِتْقَانُ الْإِحْكَامُ.، وَإِنْ جَدَّ حِفْظُهُ أَيْ عَظُمَ، أَوْ مَعْنَاهُ جَدَّ فِي حِفْظِهِ أَيْ اجْتَهَدَ فَحَذَفَ حَرْفَ فِي وَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إلَى الْحِفْظِ مَجَازًا.
قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ الطَّعْنِ الْمُفَسِّرِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ جَرْحًا طَعْنُهُمْ بِالتَّدْلِيسِ، التَّدْلِيسُ كِتْمَانُ عَيْبِ السِّلْعَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ كِتْمَانُ انْقِطَاعٍ أَوْ خَلَلٍ فِي إسْنَادِ الْحَدِيثِ بِإِيرَادِ لَفْظٍ يُوهِمُ الِاتِّصَالَ وَالصِّحَّةَ، وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ اسْمِ مَنْ يُرْوَى عَنْهُ وَذِكْرُ اسْمِ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ شَيْخُهُ، وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ أَنَّ التَّدْلِيسَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ مُوهِمًا أَنَّهُ قَدْ لَقِيَهُ وَسَمِعَهُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يَقُولَ فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَا وَلَا أَخْبَرَنَا وَإِنَّمَا يَقُولُ قَالَ فُلَانٌ أَوْ عَنْ فُلَانٍ، وَالثَّانِي تَدْلِيسُ الشُّيُوخِ وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ شَيْخٍ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْهُ فَيُسَمِّيَهُ أَوْ يَكْتُبَهُ أَوْ يَنْسُبَهُ أَوْ يَصِفَهُ بِمَا لَا يَعْرِفُ بِهِ كَيْ لَا يُعْرَفَ، ثُمَّ قَالَ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَكْرُوهٌ جِدًّا ذَمَّهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ، وَعَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ وَهَذَا مِنْ شُعْبَةَ إفْرَاطٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَمْرُهُ أَخَفُّ وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ وَتَوْعِيرٌ لِطَرِيقِ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَنْ يَطْلُبُ الْوُقُوفَ عَلَى حَالِهِ وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْغَرَضِ الْحَامِلِ عَلَيْهِ فَقَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ شَيْخِهِ الَّذِي غَيَّرَ سَمْتَهُ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرَ الْوَفَاةِ قَدْ شَارَكَهُ فِي السَّمَاعِ مِنْهُ جَمَاعَةٌ دُونَهُ أَوْ كَوْنُهُ أَصْغَرَ سِنًّا مِنْهُ أَوْ كَوْنُ الرَّاوِي كَثِيرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فَلَا يَجِبُ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ عُرِفَ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّدْلِيسِ فَجَعَلَهُ فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ مَجْرُوحًا بِذَلِكَ وَقَالُوا لَا يُقْبَلُ رِوَايَتُهُ بَيَّنَ السَّمَاعَ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ وَأَنَّ مَا رَوَاهُ الْمُدَلِّسُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ وَالِاتِّصَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ وَأَنْوَاعِهِ وَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُبَيِّنٍ لِلِاتِّصَالِ نَحْوُ سَمِعْتُ وَحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَشْبَاهِهَا فَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ كَثِيرٌ جِدًّا كَقَتَادَةَ وَالْأَعْمَشِ وَسُفْيَانَ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ التَّدْلِيسَ لَيْسَ كَذِبًا وَإِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْإِبْهَامِ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ فَلَا يُنْسَبُ الْفِسْقُ بِهِ فَيُقْبَلُ مَا بَيَّنَ فِيهِ الِاتِّصَالَ وَرَفَعَ عَنْهُ الْإِبْهَامَ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُخْبِرْ بِاسْمِ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ إذَا اُسْتُكْشِفَ يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ مِنْهُ تَزْوِيرٌ وَإِيهَامٌ لِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي صِدْقِهِ وَإِنْ أَخْبَرَ بِاسْمِهِ إذَا اُسْتُكْشِفَ وَأَضَافَ الْحَدِيثَ إلَى نَاقِلِهِ لَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِهِ وَلَا يُوجِبُ قَدْحًا فِيهِ، وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يُدَلِّسُ فَإِذَا سُئِلَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ بِالْخَبَرِ نَصَّ عَلَى اسْمِهِ وَلَمْ يَكْتُمْهُ وَهَذَا شَيْءٌ مَشْهُورٌ عَنْهُ وَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمَ كُنَّا فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقِيلَ لَهُ حَدَّثَكُمْ الزُّهْرِيُّ فَقَالَ لَا لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute