للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ مِثْلُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي رَجُلٍ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ مِنْهُ يَقُولُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ فَقَالَ الزَّوْجُ إنَّمَا قُلْت الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ قَوْلُ النَّصَارَى أَوْ قَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ لَكِنَّهَا لَمْ تَسْمَعْ الزِّيَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ إنَّا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا نَدْرِي أَنَّهُ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ أَمْ لَا لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَيْضًا.

وَإِنْ قَالَ الشَّاهِدَانِ نَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ غَيْرَ ذَلِكَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ وَوَقَعَتْ الْحُرْمَةُ، وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الِاسْتِثْنَاءَ فَقَدْ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى مَحْضِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَفْيُ طَرِيقِ الْعِلْمِ بِهِ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِ إنَّمَا يُسْمَعُ عِيَانًا فَيُحِيطُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَزِدْ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُسْمَعُ فَلَيْسَ بِكَلَامٍ لَكِنَّهُ دَنْدَنَةٌ، وَإِذَا وَضَحَ طَرِيقُ الْعِلْمِ وَظَهَرَ صَارَ مِثْلَ الْإِثْبَاتِ.

وَأَمَّا مَا لَا طَرِيقَ لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْمُخْبِرِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِثْبَاتِ مِثْلُ التَّزْكِيَةِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى التَّزْكِيَةِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ إنْ لَمْ يَقِفْ الْمُزَكَّى مِنْهُ عَلَى مَا يُخْرِجُ عَدَالَتَهُ وَقَلَّ مَا يُوقَفُ مِنْ حَالِ الْبَشَرِ عَلَى أَمْرٍ فَوْقَهُ فِي التَّزْكِيَةِ

ــ

[كشف الأسرار]

بِدَلِيلِهِ أَيْ يَكُونُ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ كَالْإِثْبَاتِ أَوْ لَا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ أَيْ لَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى دَلِيلٍ بَلْ يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الِاسْتِصْحَابِ الَّذِي هُوَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ أَوْ يَشْتَبِهُ حَالُهُ أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى دَلِيلٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاسْتِصْحَابِ.

قَوْلُهُ (وَذَلِكَ) أَيْ النَّفْيُ الَّذِي هُوَ مِثْلُ الْإِثْبَاتِ مِثْلُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِلْقَاضِي إنِّي سَمِعْت زَوْجِي يَقُولُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ وَصَلْتُ بِكَلَامِي شَيْئًا آخَرَ فَقُلْت النَّصَارَى يَقُولُونَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ أَوْ قُلْت الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ قَوْلُ النَّصَارَى فَلَمْ تَسْمَعْ الْمَرْأَةُ بَعْضَ كَلَامِي، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ كَذَبَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْفُرْقَةِ فَإِنَّ عَيْنَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا تَكُونُ مُوجِبَةً لِلْفُرْقَةِ فَيَكُونُ مُنْكِرًا لِمَا تَدَّعِيهِ مِنْ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْفُرْقَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ إنِّي سَمِعْته يَقُولُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ فَقَالَ الزَّوْجُ إنَّمَا أَرَدْت بِذَلِكَ حِكَايَةً عَمَّنْ يَقُولُ هَذَا حَيْثُ بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ مَا فِي ضَمِيرِهِ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِحُكْمِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فَإِنَّ مَا فِي الضَّمِيرِ دُونَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَالشَّيْءُ لَا يَنْسَخُهُ إلَّا مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ، فَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ لِلْمَرْأَةِ أَنَّا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ كَذَا وَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ لَمْ نَسْمَعْ وَبَيْنَ قَوْلِ الزَّوْجِ قُلْتُ: قَالَتْ النَّصَارَى كَذَا؛ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنْ يُقَالَ قَالَ فُلَانٌ قَوْلًا وَلَكِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ.

وَإِنْ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ غَيْرَ ذَلِكَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ أَثْبَتُوا السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْفُرْقَةِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِيمَا يُبْطِلُ شَهَادَةَ الشُّهُودِ، وَإِنَّمَا قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ يَكُونُ مَسْمُوعًا لِمَنْ كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ يَكُونُ دَنْدَنَةً لَا كَلَامًا، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهَا إنَّمَا قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ لَيْسَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ بَلْ بِمَا سَبَقَ مِمَّا هُوَ إثْبَاتٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى أَنَّ هَذَا أَخُو الْمَيِّتِ وَوَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ فِيهِ إثْبَاتُ أَنَّ مَا يَدَّعِي مِنْ الزِّيَادَةِ فِي ضَمِيرِهِ لَا فِي كَلَامِهِ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِمُوجَبِ كَلَامِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَدْرِي قَالَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ إلَّا أَنَّا لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ قَوْلِهِ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ مَا أَثْبَتُوا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي ضَمِيرِهِ لَا فِي كَلَامِهِ وَإِنَّمَا قَالُوا لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ وَكَمَا لَمْ تَسْمَعُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَالْقَاضِي لَمْ يَسْمَعْ أَيْضًا.

١ -

وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ: أَيْ وَمِثْلُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ ادِّعَاءِ الزَّوْجِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الطَّلَاقِ أَوْ فِي الْخُلْعِ بِأَنْ قَالَ قَدْ قُلْتُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ خَالَعْتُكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الِاسْتِثْنَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَإِنَّ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ بِأَنْ قَالُوا قَدْ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِالِاسْتِثْنَاءِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالُوا لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ كَلِمَةِ الطَّلَاقِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا يَكُونُ دَلِيلَ صِحَّةِ الْخُلْعِ مِنْ قَبْضِ الْبَدَلِ أَوْ سَبَبٍ آخَرَ فَحِينَئِذٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الدَّنْدَنَةُ أَنْ تَسْمَعَ مِنْ الرَّجُلِ نَغْمَةً وَلَا تَفْهَمَ مَا يَقُولُ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا مَا لَا طَرِيقَ لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ) أَيْ فِيهِ خَبَرُ الْمُخْبِرِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ لَا عَنْ دَلِيلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>