للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْبَيَانَ الْمَحْضَ مِنْ شَرْطِهِ مَحَلٌّ مَوْصُوفٌ بِالْإِجْمَالِ وَالِاشْتِرَاكِ وَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ مَعَ الْإِجْمَالِ وَالِاشْتِرَاكِ فَيَحْسُنُ الْقَوْلُ بِتَرَاخِي الْبَيَانِ لِيَكُونَ الِابْتِلَاءُ بِالْعَقْدِ مَرَّةً بِالْفِعْلِ مَعَ ذَلِكَ أُخْرَى وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَا لَيْسَ بِبَيَانٍ خَالِصٍ مَحْضٍ لَكِنَّهُ تَغْيِيرٌ أَوْ تَبْدِيلٌ وَيَحْتَمِلُ الْقَوْلَ بِالتَّرَاخِي بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ أَنَّ خُصُوصَ دَلِيلِ الْعُمُومِ بَيَانٌ أَوْ تَغْيِيرٌ، فَعِنْدَنَا هُوَ تَغْيِيرٌ مِنْ الْقَطْعِ إلَى الِاحْتِمَالِ فَيُفِيدُ بِالْوَصْلِ مِثْلَ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِتَغْيِيرٍ لِمَا قُلْنَا بَلْ هُوَ تَقْرِيرٌ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى أَصْلِهِ فِي الْإِيجَابِ، وَقَدْ اُسْتُدِلَّ فِي هَذَا الْبَابِ بِنُصُوصٍ احْتَجْنَا إلَى بَيَانِ تَأْوِيلِهَا مِنْهَا أَنَّ بَيَانَ بَقَرَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَقَعَ مُتَرَاخِيًا

ــ

[كشف الأسرار]

لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ فَلَا يَتَطَرَّقُ بِهِ احْتِمَالٌ إلَى الْبَاقِي، وَهَذَا أَيْ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ. وَلَوْ احْتَمَلَ الْخُصُوصَ أَيْ احْتَمَلَ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ التَّخْصِيصَ مُتَرَاخِيًا لَمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَ قَطْعًا لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ كَوْنِ الْبَعْضِ مُرَادًا مِنْهُ دُونَ الْكُلِّ وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِتَنَاوُلِهِ لِلْكُلِّ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ كَالْعَامِّ الَّذِي لَحِقَهُ الْخُصُوصُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ فِي الْبَاقِي قَطْعًا لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ الْبَاقِيَةِ بِالتَّعْلِيلِ.

وَهُمَا سَوَاءٌ أَيْ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْهُ الْخُصُوصُ وَاَلَّذِي لَحِقَهُ الْخُصُوصُ.

قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْبَيَانَ الْمَحْضَ) كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْإِشْكَالَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْمَعْرِيَّةَ عَنْ الْأُمُورِ ابْتِدَاءُ بَيَانٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا إشْكَالٌ فَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبَيَانِ الْمَحْضِ وَهُوَ الْبَيَانُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي هُوَ بَيَانٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَحَلِّ مَوْصُوفًا بِالْإِجْمَالِ أَوْ الِاشْتِرَاكِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ هُوَ الْإِظْهَارُ وَلَا بُدَّ لِحَقِيقَةِ الْإِظْهَارِ مِنْ سَبْقِ خَفَاءٍ لِاسْتِحَالَةِ إظْهَارِ الظَّاهِرِ.

وَالنُّصُوصُ الْمَعْرِيَّةُ عَنْ الْأُمُورِ ابْتِدَاءً إنَّمَا سُمِّيَتْ بَيَانًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ كَانَتْ مَجْهُولَةً قَبْلَ وُرُودِ النُّصُوصِ فَكَانَ مَعْنَى الْإِجْمَالِ مَوْجُودًا فِيهَا وَزِيَادَةٌ إذْ مَعْنَى الْإِجْمَالِ وَالْإِشْكَالِ فِي التَّحْقِيقِ هُوَ الْجَهْلُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَانُ الْمُجْمَلِ بَيَانٌ مَحْضٌ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ كَوْنُ اللَّفْظِ مُحْتَمِلًا غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْعَمَلِ بِنَفْسِهِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْبَيَانِ الْمُلْتَحَقِ بِهِ تَفْسِيرًا وَإِعْلَامًا لِمَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِ فَيَكُونُ بَيَانًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يَكُونُ مُعَارِضًا فَيَصِحُّ مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا فَأَمَّا دَلِيلُ الْخُصُوصِ فَلَيْسَ بِبَيَانٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هُوَ بَيَانٌ مِنْ حَيْثُ احْتِمَالُ الصِّيغَةِ لِلْخُصُوصِ وَهُوَ ابْتِدَاءُ دَلِيلٍ مُعَارِضٍ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْعَامِّ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ بِنَفْسِهِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ وَيَكُونُ مُعَارِضًا نَاسِخًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ مَفْصُولًا.

وَمَا لَيْسَ بِبَيَانٍ خَالِصٍ بَلْ هُوَ بَيَانٌ مِنْ وَجْهٍ لَكِنَّهُ تَغْيِيرٌ أَوْ تَبْدِيلٌ مِنْ وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّرَاخِيَ جَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانَ التَّغْيِيرِ وَالتَّعْلِيقَ بَيَانَ التَّبْدِيلِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُمَا نَوْعَيْ بَيَانِ التَّغْيِيرِ وَجَعَلَ النَّسْخَ بَيَانَ التَّبْدِيلِ كَمَا بَيَّنَّا لَكِنَّهُ أَرَادَ بِالتَّبْدِيلِ هَاهُنَا أَحَدَ نَوْعَيْ بَيَانِ التَّغْيِيرِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ مُوَافِقًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا النَّسْخَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مُتَرَاخِيًا بِالِاتِّفَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ هَاهُنَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّبْدِيلِ بَعْدَمَا تَغَيَّرَ عَنْ أَصْلِهِ يَنْقَلِبُ تَصَرُّفًا آخَرَ وَفِي التَّغْيِيرِ لَا يَنْقَلِبُ كَذَلِكَ فَفِي الِاسْتِثْنَاءِ يَصِيرُ الْكَلَامُ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي لَا غَيْرُ وَفِي التَّعْلِيقِ يَتَغَيَّرُ الْكَلَامُ عَنْ كَوْنِهِ إيجَابًا وَيَنْقَلِبُ تَصَرُّفَ يَمِينٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَوْلُهُ أَلَا تَرَى تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ بَلْ هُوَ تَقْدِيرٌ وَمَعْنَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ يَبْقَى مُوجِبًا لِلْحُكْمِ فِي الْبَاقِي كَمَا كَانَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ فَيَكُونُ التَّخْصِيصُ مُقَرِّرًا لِمَا كَانَ مُوجِبًا فِي الْأَصْلِ لَا مُغَيِّرًا إذْ لَوْ كَانَ مُغَيِّرًا لَمْ يَبْقَ مُوجِبًا كَالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ حَتَّى أُوجِبَ الْحُكْمُ فِي الْأَفْرَادِ الْبَاقِيَةِ بِعُمُومِهِ فَيَكُونُ مُقَرِّرًا وَلَوْ كَانَ مُغَيِّرًا لَمْ يَبْقَ كَذَلِكَ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ وَبَعْدَ التَّخْصِيصِ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ فَيَكُونُ مُقَرِّرًا لَا مُغَيِّرًا فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِنَاءٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مُوجَبِ الْعَامِّ وَالْحُجَّةُ بِطَرِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>