غَيْرَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ الْإِكْرَامَ لِلُوطٍ بِخُصُوصِ وَعْدِ النَّجَاةِ أَوْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعَذَابُ عَامًّا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: ٢٦٠] وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] أَنَّهُ خُصَّ مِنْهُ بَعْضُ قَرَابَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ عُثْمَانَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
ــ
[كشف الأسرار]
إلَّا امْرَأَتَهُ كَمَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ فِي قَوْلِ الْمُقِرِّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا فَأَمَّا فِي الْآيَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْحُكْمَانِ؛ لِأَنَّ إلَّا آلَ لُوطٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَرْسَلْنَا أَوْ بِمُجْرِمِينَ وَإِلَّا امْرَأَتَهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِمُنَجُّوهُمْ فَكَيْفَ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: ٣١] اسْتِثْنَاءٌ لِلُوطٍ لَمَا كَانَ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ إنَّ فِيهَا لُوطًا مَعْنًى حِينَئِذٍ فَقَالَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ لُوطًا لَيْسَ مِنْ الْمُهْلَكِينَ مَعَهُمْ طَلَبًا لِزِيَادَةِ الْإِكْرَامِ لَهُ بِتَخْصِيصِهِ بِوَعْدِ النَّجَاةِ قَصْدًا إذْ فِي التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ زِيَادَةُ إكْرَامٍ كَمَا فِي تَخْصِيصِ جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِالذِّكْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ} [البقرة: ٩٨] الْآيَةَ، وَكَمَا فِي تَخْصِيصِ أُولِي الْعِلْمِ بِالذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١] أَوْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعَذَابُ عَامًّا وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ الظُّلْمَ وَالْمَعْصِيَةَ فَإِنَّ الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا قَدْ يَخْتَصُّ بِالظَّالِمِينَ كَمَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ السَّبْتِ، وَقَدْ يَعُمُّ الْكُلَّ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥] فَيَكُونُ خِزْيًا وَعَذَابًا فِي حَقِّ الظَّالِمِينَ وَابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا فِي حَقِّ الْمُطِيعِينَ كَالْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ وَكَمَنْ زَنَى وَلَمْ يَتُبْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ خِزْيًا وَعُقُوبَةً وَإِنْ تَابَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا فَأَرَادَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُبَيِّنُوا لَهُ أَنَّ عَذَابَ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ مِنْ أَيِّ الطَّرِيقَيْنِ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّ لُوطًا هَلْ يَنْجُو مِنْهُ أَمْ يُبْتَلَى بِهِ.
، وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِهِ أَنَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت: ٣٢] طَلَبُ الرَّحْمَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لِبَرَكَةِ مُجَاوَرَةِ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَذَكَرَ فِي الْمَطْلَعِ أَنَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلرُّسُلِ {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت: ٣٢] لَيْسَ إخْبَارًا عَنْ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ جِدَالٌ فِي شَأْنِهِ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: ٧٤] ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَلَّلُوا إهْلَاكَ أَهْلِهَا بِظُلْمِهِمْ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِبَرَاءَةِ لُوطٍ مِنْ ظُلْمِهِمْ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ وَتَحَزُّنًا لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَتَشَمُّرًا إلَى نُصْرَتِهِ وَحِيَاطَتِهِ كَمَا هُوَ مُوجَبُ الدِّينِ فَأَجَابَهُ الرُّسُلُ بِقَوْلِهِمْ {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} [العنكبوت: ٣٢] يَعْنُونَ بِالْبَرِيءِ وَالظَّالِمِ مِنْهُمْ {لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [العنكبوت: ٣٢] ، وَقَوْلُهُ أَوْ خَوْفًا عُطِفَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالتَّقْدِيرُ غَيْرَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ قَالَ إنَّ فِيهَا لُوطًا إرَادَةً لِإِكْرَامِ لُوطٍ أَوْ خَوْفًا، وَذَلِكَ أَيْ سُؤَالُ إبْرَاهِيمَ عَنْ لُوطٍ وَجِدَالُهُ فِيهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُهْلَكِينَ طَلَبًا لِزِيَادَةِ الْإِكْرَامِ مِثْلُ سُؤَالِهِ رَبَّهُ عَنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى مَعَ عِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ طَلَبًا لِزِيَادَةِ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْمُعَايَنَةِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] إلَى قَوْلِهِ وَلِذِي الْقُرْبَى أَوْجَبَ نَصِيبًا مِنْ الْخُمُسِ لِذَوِي الْقُرْبَى عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَقْرِبَاءِ الرَّسُولِ.
ثُمَّ تَأَخَّرَ خُصُوصُهُ إلَى أَنْ كَلَّمَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ التَّخْصِيصِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ لِعَبْدِ مَنَافٍ خَمْسَةُ بَنِينَ هَاشِمٌ أَبُو جَدِّ النَّبِيِّ وَالْمُطَّلِبُ.
وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَعَمْرٌو وَلِكُلٍّ عَقِبٌ وَنَسْلٌ إلَّا لِعَمْرٍو وَلَمَّا «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى يَوْمَ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُعْطِ غَيْرَهُمْ جَاءَهُ عُثْمَانُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَإِنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ مَنَافٍ وَجُبَيْرُ بْنِ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ فَإِنَّهُ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَا إنَّا لَا نُنْكِرُ فَضْلَ بَنِي هَاشِمٍ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute