للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ قَبِيلِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَى مُجْمَلٌ وَكَانَ الْحَدِيثُ بَيَانًا لَهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ قُرْبَى النُّصْرَةِ لَا قُرْبَى الْقَرَابَةِ وَإِجْمَالُهُ أَنَّ الْقُرْبَى يَتَنَاوَلُ غَيْرَ النَّسَبِ وَيَتَنَاوَلُ وُجُوهًا مِنْ النَّسَبِ مُخْتَلِفَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ــ

[كشف الأسرار]

اللَّهُ فِيهِمْ وَلَكِنْ نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ إلَيْك سَوَاءٌ فِي النَّسَبِ فَمَا بَالُك أَعْطَيْتَهُمْ وَحَرَمْتَنَا؟ فَقَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ» فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بِبَيَانٍ مُتَأَخِّرٍ فَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدَنَا مِنْ قَبِيلِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ لَا مِنْ قَبِيلِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْبَى لَا يَحْتَمِلُ قُرْبَى الْقَرَابَةِ وَقُرْبَى النُّصْرَةِ أَيْ نُصْرَةِ الشِّعْبِ وَالْوَادِي عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ السُّؤَالِ أَنَّ الْمُرَادَ قُرْبَى النُّصْرَةِ لَا قُرْبَى الْقَرَابَةِ وَتَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ جَائِزٌ.

وَقَوْلُهُ عِنْدَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِجْمَالَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَلَى مَذْهَبِنَا لَمَّا حَمَلْنَا لَفْظَ الْقُرْبَى عَلَى قُرْبَى النُّصْرَةِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ قُرْبَى النَّسَبِ أَيْضًا كَانَ مُحْتَمَلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ فَأَمَّا عِنْدَهُمْ فَلَا إجْمَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عِنْدَهُمْ قُرْبَى النَّسَبِ الَّذِي هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَا غَيْرُ.

ثُمَّ أَشَارَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْإِجْمَالِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ بِقَوْلِهِ وَيَتَنَاوَلُ وُجُوهًا مِنْ النَّسَبِ مُخْتَلِفَةً يَعْنِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ قُرْبَى النَّسَبِ كَانَ مُجْمَلًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقُرْبَى يَتَنَاوَلُ وُجُوهًا مُخْتَلِفَةً مِنْ النَّسَبِ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِجَمِيعِهَا فَإِنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى أَقْصَى أَبٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ دُخُولَ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ فَيَكُونُ الْبَعْضُ مُرَادًا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ إذْ لَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يُنَاسِبُهُ بِأَبِيهِ خَاصَّةً أَوْ بِجَدِّهِ أَوْ بِأَعْلَى مِنْهُمَا فَكَانَ مُجْمَلًا فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْبَيَانُ مِنْ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْعَامِّ الَّذِي تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُجْمَلِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ فَهَذَا بَيَانُ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٨] {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩] .

أَمَرَ بِالِاتِّبَاعِ وَضَمِنَ الْبَيَانَ مُتَرَاخِيًا وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ وَهُوَ الْعَامُّ فَثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيَانُهُ مُتَرَاخِيًا وَكَذَلِكَ نَصُّ الْمَوَارِيثِ عَامٌّ فِي إيجَابِ الْإِرْثِ لِلْأَقَارِبِ كُفَّارًا كَانُوا أَوْ مُسْلِمِينَ.

ثُمَّ جَاءَ التَّخْصِيصُ مُتَرَاخِيًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ شُرِعَتْ عَامَّةً مُقَدَّمَةً عَلَى الْمِيرَاثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] ثُمَّ خَصَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِبَيَانِ الرَّسُولِ مُتَرَاخِيًا وَكَذَلِكَ «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ» عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ خَصَّ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِبَيَانٍ مُتَأَخِّرٍ وَهُوَ خَبَرُ الْعَرَايَا.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ الْقِرَاءَةُ عَلَى مَا قِيلَ أَيْ إذَا قَرَأَهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْك بِأَمْرِنَا فَاقْرَأْهُ عَلَى قَوْمِك، ثُمَّ إنْ أَشْكَلَ عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ مَعَانِيهِ فَعَلَيْنَا بَيَانُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُجْمَلِ وَنَحْوِهِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ وَتَأْخِيرُ بَيَانِهِ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩] لَيْسَ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ الْبَيَانَ مِنْ الْقُرْآنِ أَيْضًا فَيُؤَدِّي هَذَا إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِذَلِكَ الْبَيَانَ بَيَانًا إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>