للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ بِأَلْفٍ لِفُلَانٍ مِنْهَا أَرْبَعُمِائَةٍ كَانَ بَيَانًا أَنَّ السِّتَّمِائَةِ لِلْبَاقِي، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى لَهُمَا بِثُلُثِ مَالِهِ عَلَى أَنَّ لِفُلَانَ مِنْهُ كَذَا

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَمِثْلُ السُّكُوتِ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ عَنْ التَّغْيِيرِ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّيَّةِ عَلَيْهِ

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ الرِّبْحِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لَك مِنْ الرِّبْحِ نِصْفَهُ جَازَ الْعَقْدُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى بَيَانِ نَصِيبِهِ خَاصَّةٌ وَقَدْ حَصَلَ وَلَوْ بَيَّنَ نَصِيبَ نَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ فَقَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَمْ يُسَمِّ لِلْمُضَارِبِ شَيْئًا جَازَ الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ نَصِيبُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اشْتِرَاطِ النِّصْفِ لَهُ اشْتِرَاطُ مَا بَقِيَ لِلْمُضَارِبِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ وَالْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ اشْتِرَاطَ بَعْضِ الرِّبْحِ لِعَامِلٍ آخَرَ يَعْمَلُ مَعَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ وَهُوَ بَيَانُ نَصِيبِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ.

وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَنَّهُ إذَا بُيِّنَ نَصِيبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا فِي حَقِّ الْآخَرِ أَنَّ لَهُ مَا بَقِيَ كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] فَهَا هُنَا لَمَّا دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً كَانَ ذَلِكَ تَنْصِيصًا عَلَى الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِالشَّرِكَةِ الثَّابِتَةِ بِصَدْرِ الْكَلَامِ، فَإِذَا قَالَ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَك مَا بَقِيَ فَصَحَّ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَهَذَا عَمَلٌ بِالْمَنْصُوصِ لَا بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا) يَعْنِي إذَا لَمْ يُسَمِّ نَصِيبَ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَسَمَّى نَصِيبَ الْعَامِلِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنَّ لَك ثُلُثَ الْخَارِجِ فَهُوَ جَائِزٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ نَصِيبِهِ لِيَثْبُتَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُ بِالشَّرْطِ فَأَمَّا صَاحِبُ الْبَذْرِ فَيَسْتَحِقُّ بِمِلْكِهِ الْبَذْرَ فَلَا يَنْعَدِمُ اسْتِحْقَاقُهُ بِتَرْكِ الْبَيَانِ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ سَمَّى نَصِيبَ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَلَمْ يُسَمِّ مَا لِلْآخَرِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي ثُلُثَيْ الْخَارِجِ وَسَكَتَ عَنْ نَصِيبِ الْمُزَارِعِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَتَرَكُوا مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَمَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ يَسْتَحِقُّ بِالشُّرُوطِ فَبِدُونِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا.

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْخَارِجُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالتَّنْصِيصُ عَلَى نَصِيبِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ بَيَانًا أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْآخَرِ فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي ثُلُثَيْ الْخَارِجِ وَلَك ثُلُثُهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي) وَهُوَ السُّكُوتُ الَّذِي يَكُونُ بَيَانًا بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ فَمِثْلُ سُكُوتِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَنْ التَّغْيِيرِ يَدُلُّ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِثْلُ مَا شَاهَدَ مِنْ بِيَاعَاتٍ وَمُعَامَلَاتٍ كَانَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَمَآكِلَ وَمَشَارِبَ وَمُلَابِسَ كَانُوا يَسْتَدِيمُونَ مُبَاشَرَتَهَا فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا عَلَيْهِمْ فَدَلَّ أَنَّ جَمِيعَهَا مُبَاحٌ فِي الشَّرْعِ إذْ لَا يَجُوزُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقِرَّ النَّاسَ عَلَى مُنْكَرٍ مَحْظُورٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: ١٥٧] فَكَانَ سُكُوتُهُ بَيَانًا أَنَّ مَا أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فِي الْمَعْرُوفِ خَارِجٌ عَنْ الْمُنْكَرِ.

وَذُكِرَ فِي فِي بَعْضِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَلِمَ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ صَدَرَ عَنْ مُكَلَّفٍ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَرَّرَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى الْإِنْكَارِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الَّتِي سَبَقَ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النَّهْيُ عَنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>