وَيَدُلُّ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ عَلَى الْبَيَانِ مِثْلُ سُكُوتِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَنْ تَقْوِيمِ مَنْفَعَةِ الْبَدَنِ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَتَحْرِيمُهَا وَمِنْ الْمُبَاشِرِ الْإِصْرَارُ عَلَيْهَا وَاعْتِقَادُ إبَاحَتِهَا أَوْ لَا يَكُون كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَسُكُوتِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ كَافِرًا يَمْشِي إلَى كَنِيسَةٍ عَنْ الْإِنْكَارِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا عَلَى كَوْنِ النَّهْيِ مَنْسُوخًا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ قَوْمٌ إنْ لَمْ يَسْبِقْهُ تَحْرِيمٌ فَتَقْرِيرُهُ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَنَفْيِ الْحَرَجِ، وَإِنْ سَبَقَهُ تَحْرِيمٌ فَتَقْرِيرُهُ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ تَقْرِيرَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَالنَّسْخِ مُتَمَسِّكِينَ بِأَنَّ السُّكُوتَ وَعَدَمَ الْإِنْكَارِ مُحْتَمَلٌ إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَكَتَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ التَّحْرِيمُ فَلَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ حَرَامًا أَوْ سَكَتَ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مَرَّةً فَلَمْ يَنْجَحْ فِيهِ الْإِنْكَارُ وَعَلِمَ أَنَّ إنْكَارَهُ ثَانِيًا لَا يُفِيدُ فَلَمْ يُعَاوِدْ وَأَقَرَّهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْجَوَازِ وَالنَّسْخِ وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّ سُكُوتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْجَوَازِ إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَحْرِيمٌ وَعَلَى النَّسْخِ إنْ سَبَقَ لَزِمَ ارْتِكَابُ مُحَرَّمٍ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ أَوْ الْقَوْلَ الصَّادِرَ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَكَانَ التَّقْرِيرُ عَلَيْهِ وَالسُّكُوتُ عَنْ الْإِنْكَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَرَامًا فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ فَكَيْفَ فِي حَقِّهِ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السَّاكِتُ عَنْ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ» وَفِيهِ أَيْضًا تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْبَاطِلِ يُوهِمُ الْجَوَازَ أَوْ النَّسْخَ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ
وَقَوْلُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ التَّحْرِيمُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ بُلُوغِ التَّحْرِيمِ إلَيْهِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْإِنْكَارِ وَالْإِعْلَامِ بِأَنَّ تِلْكَ الْفِعْلَ أَوْ الْقَوْلَ حَرَامٌ بَلْ الْإِعْلَامُ بِالتَّحْرِيمِ وَاجِبٌ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَيْهِ ثَانِيًا وَإِلَّا كَانَ السُّكُوتُ مُوهِمًا عَدَمَ التَّحْرِيمِ أَوْ النَّسْخَ وَكَذَا إذَا بَلَغَهُ التَّحْرِيمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ بِالْإِنْكَارِ مَرَّةً مَعَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا مُتَّبِعًا لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجِبُ تَجْدِيدُ الْإِنْكَارِ دَفْعًا لِلتَّوَهُّمِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا بِخِلَافِ اخْتِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَى كَنَائِسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَّبِعِينَ لَهُ وَلَا مُعْتَقِدِينَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ فَلَا يُتَوَهَّمُ نَسْخُ ذَلِكَ بِسُكُوتِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (وَيَدُلُّ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ) إلَى كَذَا لَا يَخْلُو عَنْ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ يَدُلُّ إنْ رَجَعَ إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ ضَمِيرُ يَدُلُّ الْأَوَّلُ لِانْعِطَافِهِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْوَاوِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ سُكُوتَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعَلَى الْبَيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَا يُطَابِقُهُ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ سُكُوتُ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ جُعِلَ ضَمِيرُهُ لِمُطْلَقِ السُّكُوتِ كَمَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ يَأْبَاهُ الْعَطْفُ إذْ لَا بُدَّ فِي الْعَطْفِ مِنْ تَقْدِيرِ مَا قُدِّرَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْطُوفِ وَلَوْ قُرِئَ مِثْلُ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ سُكُوتَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدُلُّ عَلَى كَذَا مِثْلَ دَلَالَةِ سُكُوتِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ لَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ سُكُوتِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِسُكُوتِهِمْ وَهُوَ قَلْبُ الْأَصْلِ.
وَلَوْ جُعِلَ مِثْلُ مَعْطُوفًا عَلَى " مِثْلُ " الْأَوَّلُ بِغَيْرِ وَاوٍ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِ النُّحَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّيْسِيرِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ لَاسْتَقَامَ وَصَارَ مُوَافِقًا لِعِبَارَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَنَحْوُ سُكُوتِ صَاحِبِ الشَّرْعِ إلَى أَنْ قَالَ وَكَذَلِكَ سُكُوتُ الصَّحَابَةِ الْمَغْرُورُ مَنْ يَطَأُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا حُرَّةً فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ وَوَلَدُهُ هَذَا حُرٌّ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فُسَيْطٍ قَالَ: أَبَقَتْ أَمَةٌ فَأَتَتْ بَعْضَ الْقَبَائِلِ فَانْتَمَتْ إلَى بَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ فَنَثَرَتْ وَأَبْطَنَهَا ثُمَّ جَاءَ مَوْلَاهَا فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى بِهَا لِمَوْلَاهَا وَقَضَى عَلَى أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute