وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَسُكُوتُ الْبِكْرِ فِي النِّكَاحِ يُجْعَلُ بَيَانًا لِحَالِهَا الَّتِي تُوجِبُ ذَلِكَ وَهُوَ الْحَيَاءُ وَالنُّكُولُ جُعِلَ بَيَانًا لِحَالٍ فِي النَّاكِلِ وَهُوَ امْتِنَاعُهُ عَنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْيَمِينُ وَقُلْنَا فِي أَمَةٍ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ: إنَّهُ إذَا ادَّعَى أَكْبَرَهُمْ كَانَ نَفْيًا لِلْبَاقِينَ بِحَالٍ مِنْهُ وَهُوَ لُزُومُ الْإِقْرَارِ لَوْ كَانُوا مِنْهُ
ــ
[كشف الأسرار]
الْأَوْلَادِ أَنْ يَفْدِيَ أَوْلَادَهُ الْغُلَامَ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةَ بِالْجَارِيَةِ أَيْ الْغُلَامَ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةَ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِالْمِثْلِ فِي الشَّرْعِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فَضْلِ الشِّرَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ ثُمَّ إنَّهُمْ حَكَمُوا بِرَدِّ الْجَارِيَةِ عَلَى مَوْلَاهَا وَبِكَوْنِ الْوَلَدِ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَبِوُجُوبِ الْعُقْرِ وَسَكَتُوا عَنْ بَيَانِ قِيمَةِ مَنْفَعَةِ بَدَلِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ وَوُجُوبِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمَغْرُورِ فَيَكُونُ سُكُوتُهُمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْعَقْدِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ بِدَلَالَةِ حَالِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ جَاءَ طَالِبًا حُكْمَ الْحَادِثَةِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ لَهُ وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ أُولَى حَادِثَةٍ وَقَعَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لَمْ يَسْمَعُوا فِيهِ نَصًّا فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْبَيَانُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالسُّكُوتُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيَانِ دَلِيلُ النَّفْيِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَيْ وَمَا أَشْبَهَ تَقْوِيمَ مَنْفَعَةٍ بِدُونِ الْوَلَدِ مِنْ تَقْوِيمِ مَنَافِعِ الْجَارِيَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَخِدْمَتِهَا وَإِكْسَائِهَا فَإِنَّهُمْ لَمَّا سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ حُكْمِهَا مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَانَ بَيَانًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ سُكُوتِهِمْ فِي تَقْدِيرِ الْحَيْضِ عَمَّا فَوْقَ الْعَشَرَةِ مَعَ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ تُوجِبُ ذَلِكَ أَيْ تُوجِبُ كَوْنَهُ بَيَانًا وَهُوَ الْحَيَاءُ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْحَالِ وَتَذْكِيرُهُ بِاعْتِبَارِ تَذْكِيرِ الْخَبَرِ أَيْ تِلْكَ الْحَالُ هِيَ الْحَيَاءُ عَلَى مَا أَشَارَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي قَوْلِهَا: «إنَّ الْبِكْرَ لَتَسْتَحْيِي يَا رَسُولَ اللَّهِ» فَجَعَلَ سُكُوتَهَا دَلِيلًا عَلَى جَوَابٍ يَحُولُ الْحَيَاءُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّكَلُّمِ بِهِ وَهُوَ الْإِجَازَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا إظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِي الرِّجَالِ وَكَذَلِكَ النُّكُولُ أَيْ وَمِثْلُ سُكُوتِ الْبِكْرِ وَهُوَ امْتِنَاعُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْحَلِفِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ مِنْ نَكْلِ الْقَرْنِ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ مُحَارَبَةِ صَاحِبِهِ جُعِلَ بَيَانًا أَيْ إقْرَارًا بِوُجُوبِ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِحَالٍ فِي النَّاكِلِ وَهُوَ أَيْ تِلْكَ الْحَالُ امْتِنَاعُهُ عَنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْيَمِينُ فَإِنَّهَا قَدْ لَزِمَتْهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ عَنْ أَدَائِهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ إلَّا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي أَمْرٍ أَعْظَمَ مِنْهُ وَهُوَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ إذْ الْمُسْلِمُ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا لِأَمْرٍ أَعْظَمَ مِنْهُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَالُهُ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَجْعَلْهُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ نَفْسِ الْيَمِينِ وَالْفِدَاءِ عَنْهَا اقْتِدَاءً بِالصَّحَابَةِ وَعَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] .
، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ رِعَايَةُ حَقِّ الْمُدَّعِي لَا لِذَاتِهَا وَيَحْصُلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِبَدَلِ مَا ادَّعَى لَهُ فَيُحْمَلُ امْتِنَاعُهُ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى اخْتِيَارِ الْبَذْلِ وَالْفِدَاءِ لَا الْإِقْرَارِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إذْ الْوُجُوبُ مُنْتَفٍ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَذْلِ احْتِرَازًا عَنْ نِسْبَتِهِ إلَى الْكَذِبِ كَانَ نَفْيًا لِلْبَاقِينَ لِحَالٍ فِيهِ يَعْنِي كَانَ تَخْصِيصُهُ الْأَكْبَرَ وَسُكُوتُهُ عَنْ دَعْوَةِ الْآخَرِينَ نَفْيًا لِلْبَاقِينَ بِدَلَالَةِ حَالٍ فِيهِ وَهِيَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِنَسَبِ وَلَدٍ هُوَ مِنْهُ وَاجِبٌ وَأَنَّ نَفْيَ نَسَبِ وَلَدٍ لَيْسَ مِنْهُ عَنْ نَفْسِهِ وَاجِبٌ أَيْضًا، فَإِذَا سَكَتَ عَنْ بَيَانِ نَسَبِ الْآخَرِينَ بَعْدَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِثُبُوتِهِ لَوْ كَانَا مِنْهُ كَانَ دَلِيلَ النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِالنَّفْيِ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْجَارِيَةَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِدَعْوَةِ الْأَكْبَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ الْآخَرَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute