بِإِبْقَاءٍ هُوَ غَيْرُ الْإِيجَادِ وَلَهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ فَكَانَ الْإِفْنَاءُ وَالْإِمَاتَةُ بَيَانًا مَحْضًا فَهَذَا مِثْلُهُ هَذَا حُكْمُ بَقَاءِ الْمَشْرُوعِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِذَا قُبِضَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ صَارَ الْبَقَاءُ مِنْ بَعْدُ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ يُوجِبُهُ فَصَارَ بَقَاءً يَقِينًا لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ بِحَالٍ، فَإِذَا غَابَ الْحَيُّ بَقِيَتْ حَيَاتُهُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى مَوْتِهِ فَكَذَلِكَ الْمَشْرُوعُ الْمُطْلَقُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
ــ
[كشف الأسرار]
مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ فِي هَذَا الْكَلَامِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْبَقَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِبْقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ أَوْ بِانْعِدَامِ سَبَبِ الْفَنَاءِ وَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ بَلْ الْبَقَاءُ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَوْ بِعَدَمِ مَا يُعْدِمُهُ وَهُوَ أَسْبَابُ الْفَنَاءِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَقَاءَ بِعَدَمِ أَسْبَابِ الْفَنَاءِ وَعَدَمُهَا بِسَبَبِ إبْقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ إبْقَاءَهُ لَمْ يُوجَدْ أَسْبَابُ الْفَنَاءِ قَوْلُهُ (بِإِبْقَاءٍ هُوَ غَيْرُ الْإِيجَادِ) ؛ لِأَنَّ الْإِبْقَاءَ إثْبَاتُ الْبَقَاءِ، وَالْإِيجَادَ إثْبَاتُ الْوُجُودِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبَقَاءَ غَيْرُ الْوُجُودِ حَتَّى صَحَّ قَوْلُنَا وُجِدَ وَلَمْ يَبْقَ فَكَانَ الْإِبْقَاءُ غَيْرَ الْإِيجَادِ لَوْ كَانَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ إلَّا أَنَّ الْغَيْرِيَّةَ لَا تَجْرِي فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ تَسْمِيَةُ الْإِبْقَاءِ غَيْرَ الْإِيجَادِ تَوَسُّعًا بِاعْتِبَارِ تَغَايُرِ الْأَمَارَةِ وَهُوَ كَالرَّمْيِ الْوَاحِدِ يُسَمَّى جُرْحًا وَقَتْلًا وَكَسْرًا إذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الْآثَارُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ الْجُرْحِ وَالْكَسْرِ.
وَلَهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ أَيْ لِهَذَا الْمَوْجُودِ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِبَقَائِهِ غَيْبٌ عَنْ الْعِبَادِ فَكَانَ الْإِفْنَاءُ وَالْإِمَاتَةُ بَيَانًا مَحْضًا لِمُدَّةِ بَقَاءِ الْحَيَاةِ الَّتِي كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَ الْخَالِقِ حِينَ خَلَقَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْبًا عَنَّا وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَدَاءِ وَالْجَهْلِ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَلَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ قُبْحٌ وَهَذَا أَيْ النَّسْخُ مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ الْإِفْنَاءِ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ بَدَاءً وَجَهْلًا قَوْلُهُ (هَذَا حُكْمُ بَقَاءِ الْمَشْرُوعِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) كَأَنَّهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْت أَنْ لَا يَكُونَ الْأَحْكَامُ الْبَاقِيَةُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مَقْطُوعًا بِهَا لِبِنَاءِ بَقَائِهَا عَلَى الِاسْتِصْحَابِ الَّذِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَانْقِطَاعُ بَقَائِهَا عَنْ الدَّلَائِلِ الْمُثْبِتَةِ لَهَا
فَقَالَ هَذَا أَيْ بَقَاءُ الْحُكْمِ بِاسْتِصْحَابِ الْحِلِّ حُكْمُ بَقَاءِ الْمَشْرُوعِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِاحْتِمَالِ وُرُودِ النَّسْخِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، فَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَدْ صَارَ الْبَقَاءُ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ يُوجِبُهُ وَهُوَ أَنْ لَا نَسْخَ بِدُونِ الْوَحْيِ وَقَدْ انْسَدَّ بَابُهُ بِوَفَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ فَصَارَ الْبَقَاءُ يَقِينًا لَا يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ أَصْلًا بِمَنْزِلَةِ مَوْجُودٍ نُصَّ عَلَى بَقَائِهِ أَبَدًا كَالْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ الْمُدَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَكُونُ بَدَاءً وَذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ وَجْهًا آخَرَ فِي جَوَازِ النَّسْخِ عَقْلًا وَهُوَ أَنَّ الْمُخَالِفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَعْتَبِرُ الْمَصَالِحَ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيَّةِ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَيَقُولُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ كَمَا يَشَاءُ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى حِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْتَبِرُ الْغَرَضَ وَالْحِكْمَةَ فِي أَفْعَالِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَنَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْمُرَ بِفِعْلٍ فِي وَقْتٍ وَيَنْهَى عَنْهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا أَمَرَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَنَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ عَقْلًا وَمَا نَعْنِي بِالْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ إلَّا ذَلِكَ نُبَيِّنُهُ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يُطْلَقَ الْأَمْرُ.
وَالْمُرَادُ إلَى أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ أَيْضًا أَنْ يُطْلَقَ وَالْمُرَادُ إلَى أَنْ يَنْسَخَهُ غَيْرُهُ وَإِذَا جَازَ أَنْ لَا يُوجِبَ شَيْئًا بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ ثُمَّ يُوجِبَهُ جَازَ أَيْضًا أَنْ يُوجِبَهُ بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ ثُمَّ يَنْسَخَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِلْزَامَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لِمَصْلَحَةٍ وَاسْتِلْزَامَ النَّهْيِ عَنْهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى إذْ الْمَصَالِحُ كَمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَوْقَاتِ وَاعْتُبِرَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute