وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ التَّوْقِيفَ فَبَاطِلٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَنَا تَحْرِيفُ كِتَابِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةً.
ــ
[كشف الأسرار]
بِأَمْرِ الطَّبِيبِ لِلْمَرِيضِ بِدَوَاءٍ خَاصٍّ فِي وَقْتٍ لِمَصْلَحَةٍ وَنَهْيِهِ عَنْهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ نَصَّ عَلَى التَّوْقِيتِ بِأَنْ قَالَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ الْعَمَلُ فِي السَّبْتِ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ هُوَ مُبَاحٌ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ حَسَنًا وَدَالًّا عَلَى انْتِهَاءِ حِكْمَةِ التَّحْرِيمِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ بَدَاءً فَكَذَلِكَ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فِي التَّحْرِيمِ ثُمَّ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَبْدِيلِ الصِّحَّةِ بِالْمَرَضِ وَالْغَنَاءِ بِالْفَقْرِ وَعَكْسِهِمَا إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَصْلَحَةً فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَبِمَنْزِلَةِ تَقَلُّبِ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ الطُّفُولِيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالشَّبَابِ وَالْكُهُولَةِ وَالشَّيْخُوخَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَصْرِيفُ الْأُمُورِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الْحِكْمَةُ وَيَدْعُو إلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ وَامْتِحَانُ الْعِبَادِ وَابْتِلَاؤُهُمْ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَدْعَى إلَى صَلَاحِهِمْ.
وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْخِطَابُ الْمَنْسُوخُ حُكْمُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى التَّأْبِيدِ أَوْ عَلَى التَّوْقِيتِ إلَى آخِرِهِ هُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِدَالٍّ عَلَى التَّوْقِيتِ وَلَا عَلَى التَّأْبِيدِ صَرِيحًا بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ يَحْتَمِلُ التَّأْبِيدَ إنْ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ نَاسِخٌ، وَالتَّوْقِيتَ إنْ وَرَدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِذَا وَرَدَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُوَقَّتًا وَهَذَا التَّوْقِيتُ يُسَمَّى نَسْخًا وَعَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ جَازَ النَّسْخُ لَكَانَ قَبْلَ وُجُودِهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رَفْعِ الْحُكْمِ أَنَّ التَّكْلِيفَ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ زَالَ بِالنَّاسِخِ كَمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا مِنْ جِهَةِ الْمُخَاطَبِ لِقَطْعِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ عَنْهُ كَمَا أَنَّ النَّسْخَ سَبَبٌ مِنْ جِهَةِ الْمُخَاطِبِ لِقَطْعِ تَعَلُّقِهِ عَنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الدَّفْعِ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ يَرْتَفِعُ لِيَنْتَهِضَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ التَّقْسِيمِ.
وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ التَّوْقِيفَ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عِنْدَنَا تَحْرِيفُ كِتَابِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ نَقْلُهُمْ عَنْهُ حُجَّةً وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْإِيمَانُ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ الْيَوْمَ بَلْ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَيْفَ يَصِحُّ نَقْلُهُمْ تَأْبِيدَ شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ ثَبَتَ رِسَالَةُ رُسُلٍ بَعْدَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَةِ وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَةِ وَلِأَنَّ شَرْطَ التَّوَاتُرِ لَمْ يُوجَدْ فِي نَقْلِ التَّوْرَاةِ إذْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْيَهُودِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِي زَمَنِ بُخْتِ نَصَّرَ فَإِنَّهُمْ وَافَقُوا أَصْحَابَ التَّوَارِيخِ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ قَتَلَ رِجَالَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ إلَى أَرْضِ بَابِلَ وَأَحْرَقَ أَسْفَارَ التَّوْرَاةِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مَنْ يَحْفَظُ التَّوْرَاةَ وَزَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَ عُزَيْرًا التَّوْرَاةَ بَعْدَ خَلَاصِهِ مِنْ أَسْرِ بُخْتِ نَصَّرَ وَقَدْ رَوَى أَحْبَارُهُمْ أَنَّ عُزَيْرًا كَتَبَ ذَلِكَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَعِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ دَفَعَهُ إلَى تِلْمِيذٍ لَهُ لِيَقْرَأَهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَخَذُوا التَّوْرَاةَ عَنْ ذَلِكَ التِّلْمِيذِ وَنَقُولُ الْوَاحِدُ لَا يُثْبِتُ التَّوَاتُرَ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ التِّلْمِيذُ قَدْ زَادَ فِيهَا شَيْئًا وَحَذَفَ مِنْهَا فَكَيْفَ يُوثَقُ بِمَا هَذَا سَبِيلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ نُسَخَ التَّوْرَاةِ ثَلَاثٌ نُسْخَةٌ فِي أَيْدِي الْعَتَّابِيَّةِ وَنُسْخَةٌ فِي أَيْدِي السَّامِرِيَّةِ وَنُسْخَةٌ فِي أَيْدِي النَّصَارَى وَهَذِهِ النُّسَخُ الثَّلَاثُ مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ ذُكِرَ فِيهَا أَعْمَارُ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا عَلَى التَّفَاوُتِ فَفِي نُسْخَةِ السَّامِرِيَّةِ زِيَادَةُ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَثِيرٍ عَلَى مَا فِي نُسْخَةِ الْعَتَّابِيَّةِ وَفِي التَّوْرَاةِ الَّتِي فِي النَّصَارَى زِيَادَةٌ بِأَلْفٍ وَثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ وَفِيهَا أَيْضًا الْوَعْدُ بِخُرُوجِ الْمَسِيحِ وَخُرُوجِ الْعَرَبِيِّ صَاحِبِ الْجَمَلِ وَارْتِفَاعِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ عِنْدَ خُرُوجِهِمَا فَثَبَتَ أَنَّ التَّوْرَاةَ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ لَيْسَتْ بِمَوْثُوقٍ بِهَا وَأَنَّ مَا نَقَلُوهُ مِنْ تَأْبِيدِ شَرِيعَةِ مُوسَى وَتَأْبِيدِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ افْتِرَاءٌ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقِيلَ أَوَّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute