للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَمِثْلُ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ فَإِنَّهَا نَسْخٌ عِنْدَنَا

ــ

[كشف الأسرار]

الْقُرْآنِيَّةُ تَثْبُتُ بِالسَّمَاعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِخْبَارِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّ بِصَرْفِ قُلُوبِ غَيْرِهِمْ عَنْهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقُرْآنِيَّةُ فِي حَقِّنَا فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ قُرْآنًا حَقِيقَةً غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنُهُ قُرْآنًا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي بِالظَّنِّ وَهُوَ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مَشْرُوطَةٌ فِيمَا بَقِيَ بَيْنَ الْخَلْقِ مِنْ الْقُرْآنِ لَا فِيمَا نُسِخَ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَبْقَى الْحُكْمُ بِلَا نَظْمٍ أَيْ بِلَا نَظْمِ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ أَيْ الْحُكْمُ بِلَا نَظْمٍ مَتْلُوٍّ صَحِيحٌ فِي أَجْنَاسِ الْوَحْيِ مِثْلُ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِالْإِلْهَامِ وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْوَحْيِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً بِوَحْيٍ غَيْرِ مَتْلُوٍّ فَلَأَنْ يَجُوزَ بَقَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَمَا انْتَسَخَ حُكْمُ التِّلَاوَةِ مِنْ الْوَحْيِ الْمَتْلُوِّ كَانَ أَوْلَى وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُمْ: الْحُكْمُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَلَا يَبْقَى بِدُونِهِ فَاسِدٌ لِأَنَّ بَقَاءَ الْحُكْمِ لَا يَكُونُ بِبَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ فَانْتِسَاخُ التِّلَاوَةِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْحُكْمِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ إذْ لَا مُغَايَرَةَ بَيْنَ قِيَامِ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ وَبَيْنَ الْعَالَمِيَّةِ فَإِنَّ الْعَالَمِيَّةَ هِيَ قِيَامُ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ وَإِذْ لَا تَغَايُرَ فَلَا تَلَازُمَ وَلَا يُقَالُ الْكَلَامُ فِي تَلَازُمِ الْعِلْمِ وَالْعَالَمِيَّةِ لَا فِي تَلَازُمِ الْعَالَمِيَّةِ وَقِيَامِ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ لِأَنَّا نَقُولُ نَفْسُ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيَامِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَالَمِيَّةَ تِلْكَ الذَّاتِ وَكَذَا لَا نُسَلِّمُ مُلَازَمَةَ الْمَفْهُومِ لِلْمَنْطُوقِ وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ الِانْفِكَاكِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَالَمِيَّةِ وَبَيْنَ الْمَفْهُومِ وَالْمَنْطُوقِ فَلَا نُسَلِّمُ التَّسَاوِيَ فِي الشَّبَهِ إذْ الْعِلْمُ وَالْمَنْطُوقُ عِلَّةُ الْعَالَمِيَّةِ وَالْمَفْهُومِ بِخِلَافِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهَا أَمَارَةُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَمَارَةِ انْتِفَاءُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ انْتِفَاءِ مَدْلُولِهَا انْتِفَاؤُهَا قَوْلُهُ.

(وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ) وَهُوَ نَسْخُ الْوَصْفِ فَمِثْلُ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ إنْ كَانَتْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا كَزِيَادَةِ وُجُوبِ الصَّوْمِ أَوْ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ لَا يَكُونُ نَسْخًا لِحُكْمِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ حُكْمٍ فِي الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِلْأَوَّلِ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ زِيَادَةَ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ نَسْخٌ فَقَدْ بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا تُزِيلُ وُجُوبَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوُسْطَى الْمَأْمُورِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] لِأَنَّ السَّادِسَةَ تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا وُسْطَى وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ كَوْنَهَا وُسْطَى أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ فَلَا يَكُونُ رَفْعُهُ نَسْخًا وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَنْهُ أَنَّ الشَّارِعَ لَوْ أَوْجَبَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ أَوْجَبَ صَلَاةً خَامِسَةً أَوْ صَوْمًا أَوْ زَكَاةً أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ نَسْخًا لِإِخْرَاجِ الْعِبَادَةِ الْأَخِيرَةِ عَنْ كَوْنِهَا أَخِيرَةً وَإِخْرَاجِ الْعِبَادَاتِ السَّابِقَةِ عَنْ كَوْنِهَا أَرْبَعًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ إذَا وَرَدَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ تَأَخُّرًا يُجَوِّزُ الْقَوْلَ بِالنَّسْخِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الزَّمَانِ كَزِيَادَةِ شَرْطِ الْإِيمَانِ فِي رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ وَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ عَلَى الْجَلْدِ فِي جَلْدِ الزَّانِي بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَوْ وَرَدَتْ مُقَارِنَةً لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ لَا تَكُونُ نَسْخًا كَوُرُودِ رَدِّ الشَّهَادَةِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ مُقَارِنًا لِلْجَلْدِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَسْخًا لَهُ لِلْقُرْآنِ فَقَالَ عَامَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ دِيَارِنَا إنَّهَا تَكُونُ نَسْخًا مَعْنًى وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>