وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى صَارَ مُقَيَّدًا صَارَ الْمُطْلَقُ بَعْضَهُ وَمَا لِلْبَعْضِ حُكْمُ الْوُجُودِ كَبَعْضِ الْعِلَّةِ وَبَعْضِ الْحَدِّ حَتَّى أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ لَا تَبْطُلُ بِبَعْضِ الْحَدِّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا نَسْخٌ بِمَنْزِلَةِ نَسْخِ جُمْلَتِهِ، فَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَتَصَرُّفٌ فِي النَّظْمِ بِبَيَانِ أَنَّ بَعْضَ الْجُمْلَةِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالنَّظْمِ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ النَّظْمُ
ــ
[كشف الأسرار]
إنْ وَرَدَتْ الزِّيَادَةُ مُقَارِنَةً لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَجَبَ الْجَمْعُ وَلَا تَكُونُ مُنَافِيَةً لَهُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهَا النَّسْخُ إذَا وَرَدَتْ مُتَأَخِّرَةً بَلْ يَكُونُ بَيَانًا وَإِلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أُشِيرَ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ الشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ تَخْصِيصًا اعْتِذَارٌ عَنْ.
قَوْلِهِ: إنَّهُ تَخْصِيصٌ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ بِأَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا يَسْتَقِيمُ فِي تَقْيِيدِ الرَّقَبَةِ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي إيجَابِ النَّفْيِ فَقَالَ: لَيْسَ الشَّرْطُ أَيْ شَرْطُ الزِّيَادَةِ أَنْ تَكُونَ تَخْصِيصًا يَعْنِي لَا نَدَّعِي أَنَّهَا تَخْصِيصٌ لَا مَحَالَةَ بَلْ تَكُونُ تَخْصِيصًا وَقَدْ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَسْخٍ بِوَجْهٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ لَوْ كَانَ نَسْخًا لَكَانَ الْقِيَاسَ بَاطِلًا لِأَنَّ الْقِيَاسَ إلْحَاقُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ وَزِيَادَةُ حُكْمٍ لَمْ يُوجِبْهُ النَّصُّ بِصِيغَتِهِ وَحِينَ كَانَ الْقِيَاسُ جَائِزًا وَدَلِيلًا شَرْعِيًّا عُلِمَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِنَسْخٍ وَالرَّابِعُ: أَنَّ النَّسْخَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ هُوَ الْبَقَاءُ، وَالْقَوْلُ بِالتَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْكَلَامِ مِنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ وَمِنْ الظَّاهِرِ إلَى خِلَافِهِ لَكِنَّهُ مُتَعَارَفٌ فِي اللُّغَةِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى النَّسْخِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ مَعْنًى بِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ انْتِهَاءِ حُكْمٍ بِابْتِدَاءِ حُكْمٍ آخَرَ وَهَذَا عِنْدَ مَنْ شَرَطَ الْبَدَلَ فِي النَّسْخِ فَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بِابْتِدَاءِ حُكْمٍ آخَرَ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ فَيَكُونُ نَسْخًا.
وَبَيَانُهُ أَنَّ الْإِطْلَاقَ مَعْنًى مَقْصُودٌ مِنْ الْكَلَامِ وَلَهُ حُكْمٌ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْإِتْيَانِ بِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قَيْدٍ وَالتَّقْيِيدُ مَعْنًى آخَرُ مَقْصُودٌ عَلَى مُضَادَّةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ إثْبَاتُ الْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقَ رَفْعُهُ وَلَهُ حُكْمٌ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمُبَاشَرَةِ مَا وُجِدَ فِيهِ الْقَيْدُ دُونَ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ، فَإِذَا صَارَ الْمُطْلَقُ مُقَيَّدًا لَا بُدَّ مِنْ انْتِهَاءِ حُكْمِ الْإِطْلَاقِ بِثُبُوتِ حُكْمِ التَّقْيِيدِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِلتَّنَافِي فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَسْتَلْزِمُ الْجَوَازَ بِدُونِ الْقَيْدِ، وَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِدُونِهِ.
وَإِذَا انْتَهَى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي كَانَ الثَّانِي نَاسِخًا لَهُ ضَرُورَةً وَقَوْلُهُ: وَهَذَا لِأَنَّهُ كَذَا تَوْضِيحٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ انْعِقَادِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَجَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَا نُسَلِّمُ انْتِهَاءَ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ بَاقٍ وَلَكِنْ ضُمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ يَعْنِي إنَّمَا قُلْنَا بِانْتِهَاءِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَتَى صَارَ مُقَيَّدًا صَارَ الْمُطْلَقُ بَعْضَهُ أَيْ صَارَ مَا كَانَ مُطْلَقًا قَبْلَ التَّقْيِيدِ بَعْضَ الْمُقَيَّدِ لِاشْتِمَالِ الْمُقَيَّدِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:.
أَحَدُهُمَا: مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ وَالثَّانِي مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمُقَيَّدُ وَمَا لِلْبَعْضِ حُكْمُ الْوُجُودِ أَيْ لَيْسَ لِبَعْضِ مَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ أَوْ عُقُوبَةً أَوْ كَفَّارَةً حُكْمُ وُجُودِ الْجُمْلَةِ بِوَجْهٍ وَلَا حُكْمُ وُجُودِهِ فِي نَفْسِهِ بِدُونِ انْضِمَامِ الْبَاقِي إلَيْهِ، فَإِنَّ الرَّكْعَةَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَا يَكُونُ فَجْرًا وَلَا بَعْضَ الْفَجْرِ بِدُونِ انْضِمَامِ الْأُخْرَى إلَيْهَا، وَالرَّكْعَتَانِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ كَذَلِكَ وَكَذَا الْمُظَاهِرُ إذَا صَامَ شَهْرًا ثُمَّ عَجَزَ فَاطْعَمْ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا لَا يَكُونُ مُكَفِّرًا بِالْإِطْعَامِ وَلَا بِالصَّوْمِ كَبَعْضِ الْعِلَّةِ وَبَعْضِ الْحَدِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِبَعْضِ الْعِلَّةِ حُكْمُ الْوُجُودِ وَلِبَعْضِ الْحَدِّ حُكْمُ الْحَدِّ حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْعِلَّةِ وَبَعْضَ الْحَدِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَدِّ مِنْ طُهْرَةِ الْمَحْدُودِ وَخُرُوجِ الْإِمَامِ عَنْ عُهْدَةِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ وَسُقُوطِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ إذَا كَانَ الْحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَدِّ عِنْدَنَا وَبَعْضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute