للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فَأَنْ يَتَكَلَّمَ الْبَعْضُ وَيَسْكُتَ سَائِرُهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ فِي الْحَادِثَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْفِعْلِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا بُدَّ مِنْ النَّصِّ

ــ

[كشف الأسرار]

مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ بَعْدَ صُدُورِهِ مِنْ الْأَهْلِ وَحُكْمُهُ أَيْ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِهِ وَسَبَبُهُ وَهُوَ الْمَعْنَى الدَّاعِي إلَى الْإِجْمَاعِ الْجَامِعِ لِلْآرَاءِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِمُسْتَنِدِ الْإِجْمَاعِ، عَزِيمَةٌ وَهِيَ مَا كَانَ أَصْلًا فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ إذْ الْعَزِيمَةُ هِيَ الْأَمْرُ الْأَصْلِيُّ وَرُخْصَةٌ وَهِيَ مَا جُعِلَ إجْمَاعًا لِضَرُورَةٍ إذْ مَبْنَى الرُّخْصَةِ عَلَى الضَّرُورَةِ.

وَأَمَّا الْعَزِيمَةُ فَالتَّكَلُّمُ بِمَا يُوجِبُ الِاتِّفَاقَ مِنْهُمْ أَوْ شُرُوعُهُمْ فِي الْفِعْلِ فِيمَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ ذَلِكَ مَوْجُودًا مِنْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فِيمَا يَسْتَوِي الْكُلُّ فِي الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى الْعَامِّ فِيهِ كَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالرِّبَا أَوْ تَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ الْعَامُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِعَدَمِ الْبَلْوَى الْعَامِّ لَهُمْ فِيهِ كَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، وَفَرَائِضُ الصَّدَقَاتِ مِمَّا يَجِبُ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا أَنَّ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَفْعَالِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَخْرَجَ الشَّرْعِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الشَّرْعُ.

وَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْأَفْعَالِ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ فَيَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ، فَإِنَّ الشَّرْعَ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ إذَا وُجِدَ الْإِجْمَاعُ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ مَا فَعَلُوا وَكَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ مَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ عَلَى مَا رُوِيَ مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا فَرْضٍ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الرُّخْصَةُ) فَكَذَا سُمِّيَ هَذَا الْقِسْمُ رُخْصَةً؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ إجْمَاعًا ضَرُورَةً لِلِاحْتِرَازِ عَنْ نِسْبَتِهِمْ إلَى الْفِسْقِ وَالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي عَصْرٍ إلَى حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ عَلَى حُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَانْتَشَرَ ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ وَمَضَى مُدَّةُ التَّأَمُّلِ فِيهِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مَقْطُوعًا بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ يَعْنِي إذَا فَعَلَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ فِعْلًا وَعَلِمَ بِهِ أَهْلُ زَمَانِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ يَكُونُ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَيُسَمَّى هَذَا إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا عِنْدَ مَنْ قَالَ إنَّهُ إجْمَاعٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ فِيهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهَذَا الطَّرِيقِ إذَا كَانَ تَرْكُ الرَّدِّ وَالْإِنْكَارِ فِي غَيْرِ حَالَةِ التَّقِيَّةِ وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّ إظْهَارَ الرِّضَاءِ وَتَرْكَ النَّكِيرِ فِي حَالَةِ التَّقِيَّةِ أَمْرٌ مُعْتَادٌ بَلْ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ رُخْصَةً فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الرِّضَا وَكَذَا السُّكُوتُ وَالِامْتِنَاعُ عَنْ الرَّدِّ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ حَلَالٌ شَرْعًا فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَاءِ فَلِهَذَا شَرَطْنَا مَعَ السُّكُوتِ وَتَرْكِ الْإِنْكَارِ زَوَالَ التَّقِيَّةِ وَمُضِيَّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ ثُمَّ قَالَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ فِي مَعْرِفَتِهَا تَكْلِيفٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِي مَعْرِفَتِهَا تَكْلِيفٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَفْضَلُ أَمْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ فِيهَا بِقَوْلٍ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ تَكْلِيفٌ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ النَّظَرُ فِيهِ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ صَوَابًا أَوْ خَطَأً فَلَا يَلْزَمُهُمْ الْإِنْكَارُ إذْ ذَلِكَ الْإِنْكَارُ إنَّمَا يَلْزَمُهُمْ عِنْدَ مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ خَطَأً.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَنْ يَبْعُدَ أَنْ يَتْرُكُوا الْإِنْكَارَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ خَطَأً فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُمْ دَلِيلَ التَّسْلِيمِ وَالرِّضَاءِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِمْ تَكْلِيفٌ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ يَكُونُ سُكُوتُهُمْ تَصْوِيبًا وَرِضَاءً بِذَلِكَ الْحُكْمِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَلْزَمُهُ مِنْهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>