للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي مَالٍ فَضَلَ عِنْدَهُ وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ حَتَّى قَالَ لَهُ مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَرَوَى لَهُ حَدِيثًا فِي قِسْمَةِ الْفَضْلِ فَلَمْ يَجْعَلْ سُكُوتَهُ تَسْلِيمًا وَشَاوَرَهُمْ فِي إمْلَاصِ الْمَرْأَةِ فَرَأَوْا بِأَنْ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ فَلَمَّا سَأَلَهُ قَالَ أَرَى عَلَيْك الْغُرَّةَ وَلِأَنَّ السُّكُوتَ قَدْ يَكُونُ مَهَابَةً كَمَا قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا مَنَعَك أَنْ تُخْبِرَ عُمَرَ بِقَوْلِك فِي الْعَوْلِ فَقَالَ دِرَّتُهُ وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّأَمُّلِ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً

ــ

[كشف الأسرار]

النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْمُحَالِ وَهُوَ الْخَلْفُ فِي إخْبَار اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ تَعَالَى مَدَحَهُمْ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَشَهِدَ لَهُمْ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠] وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْمُحَالِ فَاسِدٌ.

١ -

فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ فَالْجَوَابُ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ سَوَاءٌ يَعْنِي يَكُونُ ذَلِكَ إجْمَاعًا عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَصَاحِبِ الْقَوَاطِعِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَقِيلَ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ نَصَّ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إذَا انْتَشَرَ وَلَمْ يُخَالَفْ فَهُوَ حُجَّةٌ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ نَسَبَ إلَى سَاكِتٍ قَوْلًا فَقَدْ افْتَرَى عَلَيْهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو هَاشِمٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا حُجَّةٍ وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مَذْهَبُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَيُحْكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ ظَهَرَ الْقَوْلُ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَالسَّاكِتُونَ نَفَرٌ يَسِيرٌ يَثْبُتُ بِهِ الْإِجْمَاعُ، وَإِنْ انْتَشَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَالسَّاكِتُونَ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِجْمَاعُ وَنُقِلَ عَنْ الْجُبَّائِيُّ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ بِشَرْطِ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إنْ كَانَ ذَلِكَ فَتْوَى وَانْتَشَرَ وَلَمْ يُعْرَفْ مُخَالِفٌ يَكُونُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ حُكْمًا لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إنْ كَانَ حُكْمًا يَكُونُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ فَتْوَى لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّصِّ أَيْ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ الْكُلِّ لِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ إنْ كَانَ قَوْلِيًّا وَمِنْ شُرُوعِهِمْ جَمِيعًا فِي الْفِعْلِ إنْ كَانَ فِعْلِيًّا وَلَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ أَيْ لَا يَثْبُتُ التَّنْصِيصُ بِالسُّكُوتِ، فَإِنَّهُ لَا يُنْسَبُ قَوْلٌ إلَى سَاكِتٍ أَوْ وَلَا يَثْبُتُ الْإِجْمَاعُ بِالسُّكُوتِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا بِالْآثَارِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْآثَارُ فَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ «ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَهَا نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُهُ ذُو الْيَدَيْنِ» وَلَوْ كَانَ تَرْكُ النَّكِيرِ دَلِيلَ الْمُوَافَقَةِ لَاكْتَفَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمَا اسْتَنْطَقَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.

وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا شَاوَرَ الصَّحَابِيَّ فِي مَالٍ فَضَلَ عِنْدَهُ مِنْ الْغَنَائِمِ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ الْقِسْمَةِ وَالْإِمْسَاكِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْقَوْمِ سَاكِتٌ فَقَالَ لَهُ مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ قَالَ لَمْ نَجْعَلْ يَقِينَك شَكًّا وَعِلْمَك جَهْلًا أَرَى أَنْ تُقَسِّمَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا فَعُمَرُ لَمْ يَجْعَلْ سُكُوتَهُ تَسْلِيمًا وَدَلِيلًا عَلَى الْمُوَافَقَةِ حَتَّى سَأَلَهُ وَاسْتَجَازَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السُّكُوتَ مَعَ كَوْنِ الْحَقِّ عِنْدَهُ فِي خِلَافِهِمْ وَمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَبَلَغَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا تُجَالِسُ الرِّجَالَ وَتُحَدِّثُهُمْ فَأَشْخَصَ إلَيْهَا لِيَمْنَعَهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَمْصَلَتْ مِنْ هَيْبَتِهِ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا لَا غُرْمَ إنَّمَا أَنْتَ مُؤَدِّبٌ وَمَا أَرَدْت إلَّا الْخَيْرَ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَاكِتٌ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَقَالَ إنْ كَانَ هَذَا جَهْدُ رَأْيِهِمْ فَقَدْ أَخْطَئُوا، وَإِنْ قَارَبُوك أَيْ طَلَبُوا قُرْبَتَك

<<  <  ج: ص:  >  >>