للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُ السُّكُوتَ تَسْلِيمًا بَعْدَ الْعَرْضِ وَذَلِكَ مَوْضِعُ وُجُوبِ الْفَتْوَى وَحُرْمَةِ السُّكُوتِ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا، فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ تَسْلِيمًا كَانَ فِسْقًا أَوْ بَعْدَ الِاشْتِهَارِ وَالْإِشْهَارُ يُنَافِي الْخَفَاءَ فَكَانَ كَالْعَرْضِ وَذَلِكَ أَيْضًا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ وَذَلِكَ يُنَافِي الشُّبْهَةَ فَتَعَيَّنَ وَجْهُ التَّسْلِيمِ.

وَأَمَّا سُكُوتُ عَلِيٍّ فَإِنَّمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِإِمْسَاكِ الْمَالِ وَبِأَنْ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي إمْلَاصِ الْمَرْأَةِ كَانَ حَسَنًا

ــ

[كشف الأسرار]

وَفِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِانْتِشَارِ الْفَتْوَى مِنْ الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ وَفِي اتِّفَاقِنَا عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَطَرِيقًا لِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذِّرَ كَالْمُمْتَنِعِ ثُمَّ تَعْلِيقُ الشَّيْءِ بِشَرْطٍ هُوَ مُمْتَنِعٌ يَكُونُ نَفْيًا فَكَذَا تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ هُوَ مُتَعَذِّرٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَعَ عَنَّا الْحَرَجَ كَمَا لَمْ يُكَلِّفْنَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِنَا وَلَيْسَ فِي وُسْعِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ السَّمَاعُ مِنْ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ بِقُرُونٍ فَكَانَ ذَلِكَ سَاقِطًا عَنْهُمْ فَكَذَلِكَ يَتَعَذَّرُ السَّمَاعُ مِنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ وَالْوَقْفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ حَقِيقَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ الْبَيِّنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ اشْتِهَارُ الْفَتْوَى مِنْ الْبَعْضِ وَالسُّكُوتُ مِنْ الْبَاقِينَ كَافِيًا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ.

قَوْلُهُ (وَلِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُ) دَلِيلٌ آخَرُ مُتَضَمِّنٌ لِلْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَ الْخَصْمُ مِنْ تَحَقُّقِ الِاحْتِمَالَاتِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُ سُكُوتَ الْبَاقِينَ تَسْلِيمًا لِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ بَعْدَ عَرْضِ الْحَادِثَةِ وَجَوَابِ هَذَا الْقَائِلِ فِيهَا عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَيْ الْعَرْضُ مَوْضِعُ وُجُوبِ الْفَتْوَى وَحُرْمَةِ السُّكُوتِ لَوْ كَانَ السَّاكِتُ مُخَالِفًا إذْ السَّاكِتُ عَنْ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ، فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ السُّكُوتُ تَسْلِيمًا لِقَوْلِهِ كَانَ فِسْقًا؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ إظْهَارِ الْحَقِّ وَتَرْكٌ لِلْوَاجِبِ احْتِشَامًا لِلْغَيْرِ، وَالْعَدَالَةُ مَانِعَةٌ عَنْهُ فَلَا يُظَنُّ بِهِمْ ذَلِكَ خُصُوصًا بِالصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْ صِغَارِهِمْ الرَّدُّ عَلَى الْكِبَارِ وَقَبُولُ الْكِبَارِ ذَلِكَ مِنْهُمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ حَقًّا وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ الِاشْتِهَارِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ الْعَرْضِ أَيْ يُجْعَلُ السُّكُوتُ تَسْلِيمًا بَعْدَ الْعَرْضِ أَوْ بَعْدَ الِاشْتِهَارِ إذْ الِاشْتِهَارُ يُنَافِي الْخَطَأَ فَكَانَ كَالْعَرْضِ، وَذَلِكَ أَيْضًا أَيْ جَعْلُ السُّكُوتِ تَسْلِيمًا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ بَعْدَ الْعَرْضِ أَوْ الِاشْتِهَارِ فَيَنْدَفِعُ بِإِسْقَاطِهِمَا احْتِمَالُ السُّكُوتِ لِلْخَفَاءِ وَالتَّأَمُّلِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَذَلِكَ أَيْ مُضِيُّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ بَعْدَ الْعَرْضِ أَوْ الِاشْتِهَارِ بِاشْتِرَاطِهِمَا يُنَافِي الشُّبْهَةَ أَيْ شُبْهَةَ عَدَمِ التَّسْلِيم فِي السُّكُوتِ فَتَعَيَّنَ وَجْهُ التَّسْلِيمِ فِيهِ يُبَيِّنُهُ أَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ مَعْصُومُونَ عَنْ الْخَطَأِ وَالْعِصْمَةُ وَاجِبَةٌ لَهُمْ كَمَا لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِذَا رَأَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُكَلَّفًا يَقُولُ قَوْلًا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَسَكَتَ كَانَ سُكُوتُهُ تَقْرِيرًا مِنْهُ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ وَنَزَلَ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالتَّصْدِيقِ لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ سُكُوتُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالْمُوَافَقَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ: وَلَمَّا كَانَ الْقَوْلُ الْمُنْتَشِرُ مَعَ السُّكُوتِ مِنْ الْبَاقِينَ إجْمَاعًا صَحِيحًا فِي الْحُكْمِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الِاعْتِقَادِ كَانَ إجْمَاعًا فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا لِمَعْنًى جَامِعٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ.

فَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ الْمُنْتَشِرُ عِنْدَهُمْ خَطَأً لَا يَحِلُّ لَهُمْ السُّكُوتُ وَتَرْكُ الرَّدِّ فِي الْمُعْتَقَدَاتِ وَكَذَا فِي الْفُرُوعِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا فِيمَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ لَا يَرْضَى بِقَوْلِ صَاحِبِهِ قَوْلًا لِنَفْسِهِ بَلْ يَعْتَقِدُ فِيهِ خِلَافَهُ وَيَدْعُو النَّاسَ إلَى مُعْتَقَدِهِ وَيُنَاظِرُ مَعَ خَصْمِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ الْمُنْتَشِرُ مُعْتَقَدَ الْبَاقِينَ لَظَهَرَ وَانْتَشَرَ إلَّا عَنْ خَوْفٍ وَتَقِيَّةٍ وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ سَبَبُ التَّقِيَّةِ لَا مَحَالَةَ فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ سَبَبُ التَّقِيَّةِ وَلَا الْخِلَافُ مِنْهُمْ لِذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُنْتَشِرِ دَلَّ أَنَّهُمْ رَضُوا بِذَلِكَ قَوْلًا؛ لِأَنْفُسِهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْعُلَمَاءَ الْحَنَفِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ فَقَامَ سَائِلٌ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ فَأَجَابَ بِمَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُ وَسَكَتَ الْحَاضِرُونَ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ عَنْ الرَّدِّ لَا يُحْمَلُ سُكُوتُهُمْ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالرِّضَاءِ بِقَوْلِهِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.

قُلْنَا قَدْ احْتَرَزْنَا عَنْهُ بِقَوْلِنَا قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ فِي بَيَانِ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>