. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
لَا يَدُلُّ سُكُوتُهُمْ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى الرِّضَاءِ؛ لِأَنَّ مَذَاهِبَ الْكُلِّ قَدْ تَقَرَّرَتْ وَصَارَتْ مَعْلُومَةً فَلَا يَدُلُّ السُّكُوتُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي حَادِثَةٍ تَقَعُ بَيْنَ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا قَوْلٌ فَيَذْكُرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَوْلًا فِيهِ وَيَنْتَشِرُ فِي الْبَاقِينَ وَلَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ إنْكَارٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْمَذَاهِبَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً وَالْإِنْكَارُ مِنْ الْبَاقِينَ لِذَلِكَ مَعْلُومٌ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرُوهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَانَ سُكُوتُهُمْ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَبْلُ لَا عَلَى إظْهَارِ الْمُوَافَقَةِ أَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ السُّكُوتِ عَلَى مِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ قَبْلُ خِلَافٌ مِنْهُمْ لِذَلِكَ وَالسُّكُوتُ عَلَى مِثْلِ هَذَا بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا أَنَّهُ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ فَدَلَّ أَنَّ سُكُوتَهُمْ كَانَ مَحْضَ الْمُوَافَقَةِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ إثْبَاتَ الْإِجْمَاعِ بِهَذَا الطَّرِيقِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ وَعَلَى أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ، فَإِذَا ظَهَرَ قَوْلٌ مِنْ وَاحِدٍ فَسُكُوتُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ إمَّا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْتَهِدُوا أَوْ اجْتَهَدُوا فَلَمْ يُؤَدِّ اجْتِهَادُهُمْ إلَى شَيْءٍ أَوْ أَدَّى إلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَوْ صِحَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ اجْتَهَدُوا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تُخَالِفُهُ، فَإِنَّ تَرْكَ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْجَمِّ الْغَفِيرِ فِي حَادِثَةٍ نَزَلَتْ خِلَافَ الْعَادَةِ وَمُؤَدٍّ إلَى إهْمَالِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا حَدَثَ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ مُجْتَهِدِينَ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ ارْتِكَابِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُتَدَيِّنِ وَمُؤَدٍّ إلَى خُرُوجِ الْحَقِّ عَنْ أَهْلِ الْعَصْرِ بَعْضُهُمْ بِتَرْكِ الِاجْتِهَادِ وَبَعْضُهُمْ بِالْعُدُولِ عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ حَقًّا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا اجْتَهَدُوا فَلَمْ يُؤَدِّ اجْتِهَادُهُمْ إلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى خَفَاءِ الْحَقِّ مَعَ ظُهُورِ طُرُقِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَهُوَ مُحَالٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا اجْتَهَدُوا فَأَدَّى اجْتِهَادُهُمْ إلَى خِلَافِهِ إلَّا أَنَّهُمْ كَتَمُوا؛ لِأَنَّ إظْهَارَ الْحَقِّ وَاجِبٌ لَا سِيَّمَا مَعَ ظُهُورِ قَوْلٍ هُوَ بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ وَالتَّعْلِيقُ بِالْهَيْبَةِ وَالتَّقِيَّةِ تَعْلِيقٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْحَقَّ وَلَا يَهَابُونَ أَحَدًا، وَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَوْجُهُ تَعَيَّنَ الْوَجْهُ الْأَخِيرُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا لِرِضَاهُمْ بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْقَوْلِ فَصَارَ كَالنُّطْقِ، فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنَّهُمْ سَكَتُوا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ قُلْنَا: لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ مُبَاحَثَتِهِ وَطَلَبِ الْكَشْفِ عَنْ مَأْخَذِهِ لَا بِطَرِيقِ الْإِنْكَارِ كَالْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِمُنَاظَرَةِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ كَمُنَاظَرَتِهِمْ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَالْعَوْلِ وَدِيَةِ الْجَنِينِ عَلَى أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ وَصَاحِبُ الْقَوَاطِعِ أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ شُبْهَةٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْخُصُومُ فَيَكُونُ إجْمَاعًا مُسْتَدَلًّا عَلَيْهِ وَيَكُونُ دُونَ الْقَوَاطِعِ مِنْ وُجُوهِ الْإِجْمَاعِ لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ
قُلْت فَعَلَى هَذَا لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَبَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ إجْمَاعٌ وَكَانَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ عِنْدَهُمْ فَيَظْهَرُ الْفَرْقُ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْفَرْقُ ثَابِتٌ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ إجْمَاعٌ أَرَادَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَلَكِنَّهُ دُونَ الْإِجْمَاعِ قَوْلًا كَالنَّصِّ. وَالْمُفَسَّرُ دُونَ الْمُحْكَمِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَطْعِيًّا وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ أَرَادَ أَنَّهُ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فَيَتَحَقَّقُ الْفَرْقُ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ قَطْعِيًّا يَلْزَمُ أَنْ يَكْفُرَ جَاحِدُهُ أَوْ يُضَلَّلَ كَجَاحِدِ سَائِرِ الْحُجَجِ الْقَطْعِيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا لَمْ يَكْفُرْ لِكَوْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute