للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ الْعِصْمَةُ، وَهِيَ الْحِفْظُ وَلَا عِصْمَةَ إلَّا بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا

ــ

[كشف الأسرار]

كَمَا كَانَ لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا فِي قَتْلِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ وَشُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ عِنْدَكُمْ وَكَوُجُوبِ الدِّيَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ (قُلْنَا) بَلْ الْحُرْمَةُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّا لَا نَجِدُ الْقَطْعَ يَجِبُ إلَّا بِمَالٍ مُحْتَرَمٍ حَقًّا لِلْعَبْدِ؛ وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَطْعَ بِهِ لِنَفْسِهِ تَحْقِيقًا لِصِيَانَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَانْتَقَلَتْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَبْقَ مَعْنًى لِلْعَبْدِ يُضَافُ وُجُوبُ الضَّمَانِ إلَيْهِ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ فِي الصَّيْدِ بَلْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الصَّيْدِ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ.

وَإِذَا لَمْ يَصِرْ حَقُّهُ مَقْضِيًّا بِهِ وَجَبَ الضَّمَانُ، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْعَبْدِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقُّهُ مَضْمُونًا بِالدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ شُرْبُ خَمْرِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ بِشُرْبِهَا لَمْ يَجِبْ لِحَقِّ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ لَوْ شَرِبَ خَمْرَ نَفْسِهِ يَجِبُ الْحَدُّ أَيْضًا وَإِذَا لَمْ يَجِبْ لِحَقِّهِ وَجَبَ جَبْرُ حَقِّهِ بِالضَّمَانِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ؛ وَلِأَنَّ الْجَزَاءَ يَدُلُّ يَعْنِي لُغَةً، عَلَى كَمَالِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ الْقَطْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَثَلًا، لِمَا شُرِعَ لَهُ، وَهُوَ السَّرِقَةُ أَوْ الزَّجْرُ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُ رَاجِعٌ إلَى الْمَشْرُوعِ وَالْبَارِزُ إلَى مَا، يَعْنِي تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ جَزَاءً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَامِلٌ وَتَامٌّ فِي الْمَقْصُودِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ جُزِيَ بِالْيَاءِ أَيْ قُضِيَ وَالْقَضَاءُ الْإِحْكَامُ وَالْإِتْمَامُ قَالَ:

وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاوُد أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعُ

أَيْ أَحْكَمَهُمَا وَأَتَمَّهُمَا كَذَا قِيلَ، فَعَلَى هَذَا أَصْلُهُ جَزَايٌ بِالْيَاءِ إلَّا أَنَّهَا قُلِبَتْ هَمْزَةً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ الْأَلِفِ كَالْقَضَاءِ أَصْلُهُ قَضَايٌ، وَأَجْزَأَ بِالْهَمْزِ أَيْ كَفَى وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَكُونُ كَافِيًا إذَا كَانَ تَامًّا وَكَامِلًا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةً وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ جَزَى يَجْزِي يُقَالُ جِزْيَتُهُ بِمَا صَنَعَ جَزَاءً فَأَمَّا كَوْنُهُ مَهْمُوزًا فَمَا وَجَدْته فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الَّتِي عِنْدِي وَلَعَلَّ الشَّيْخَ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَلَّ لَفْظُ الْجَزَاءِ عَلَى الْكَمَالِ لُغَةً اسْتَدْعَى كَمَالَ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ سَبَبِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ حَرَامًا لِعَيْنِهِ وَمَعَ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ حَقًّا لِلْعَبْدِ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ حَرَامًا لِعَيْنِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ.

وَهُوَ حَقُّ الْمَالِكِ فَيَبْقَى مُبَاحًا بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ وَذَلِكَ أَعْظَمُ شُبْهَةٍ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ فَلَا يَجِبُ مَعَهَا الْحَدُّ كَمَا لَا يَجِبُ بِالْغَصْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النُّكْتَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى اسْتِدْلَالٌ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْجَزَاءِ وَالثَّانِيَةَ اسْتِدْلَالٌ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَحَاصِلُهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِكَمَالِ الْجَزَاءِ عَلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ أَيْضًا، وَاسْتَدَلَّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَبْسُوطِ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ فِي لَفْظِ الْجَزَاءِ إشَارَةٌ إلَى الْكَمَالِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ الْقَطْعُ جَمِيعَ مُوجِبِ الْفِعْلِ فَكَانَ نَسْخًا لِمَا هُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَبْطُلُ) جَوَابُ سُؤَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: أَتِلْكَ شَرْطٌ لِانْعِقَادِ السَّرِقَةِ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ كَالْعِصْمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ النَّبَّاشُ عِنْدَكُمْ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةٍ فِي الْمِلْكِ ثُمَّ لَمْ يَقْتَضِ وُجُوبُ الْقَطْعِ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ بَقِيَ لِلْعَبْدِ كَمَا كَانَ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ إنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي نَقْلَ الْعِصْمَةِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ وِلَايَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>