للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا تَعَيُّنُ الْمَالِكِ فَشَرْطٌ لِيَصِيرَ خَصْمُهُ مُتَعَيِّنًا لَا لِعَيْنِهِ حَتَّى إذَا وُجِدَ الْخَصْمُ بِلَا مِلْكٍ كَانَ كَافِيًا كَالْمُكَاتَبِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ وَنَحْوِهِمَا؛ فَلِذَلِكَ تَحَوَّلَتْ الْعِصْمَةُ دُونَ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِنَايَةَ تَقَعُ عَلَى الْمَالِ وَالْعِصْمَةُ صِفَةٌ لِلْمَالِ مِثْلُ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا فَأَمَّا الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلْمَالِكِ كَيْفَ يَكُونُ مَحَلًّا لِلْجِنَايَةِ لِيَنْتَقِلَ

ــ

[كشف الأسرار]

التَّضْمِينِ إنْ كَانَ هَالِكًا، فَأَجَابَ وَقَالَ: اشْتِرَاطُ الْمِلْكِ لَيْسَ بِعَيْنِهِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ لِتَحْقِيقِ الْعِصْمَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَجِبْ جَزَاءً عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَحَلِّ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا بَلْ بِكَوْنِهِ مَعْصُومًا مُتَقَوِّمًا إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلْعَبْدِ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ فَثَبَتَ أَنَّ اشْتِرَاطَهُ لِتَحْقِيقِ الْعِصْمَةِ لَا لِذَاتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِقَالِ الْعِصْمَةِ انْتِقَالُهُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ، وَهِيَ تَحَقُّقُ الْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ قَدْ انْدَفَعَتْ بِهِ.

وَذَلِكَ كَالْعَصِيرِ إذَا تَخَمَّرَ بَقِيَ الْمِلْكُ لِصَاحِبِهَا؛ وَإِنْ انْتَقَلَتْ عِصْمَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَالشَّاةِ إذَا مَاتَتْ بَقِيَ مِلْكُ صَاحِبِهَا فِي الْجِلْدِ؛ وَإِنْ صَارَتْ مُحَرَّمَةَ الْعَيْنِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ: (قَوْلُهُ فَأَمَّا تَعَيُّنُ الْمَالِكِ فَشَرْطٌ) جَوَابُ سُؤَالٍ آخَرَ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْمِلْكُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ هُوَ الْعِصْمَةُ فِي تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ انْتَقَلَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى صَارَ كَالْخَمْرِ عَلَى مَا قُلْتُمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ دَعْوَى الْمَالِكِ وَيَثْبُتَ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَسَائِرِ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: تَعَيُّنُ الْمَالِكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِعَيْنِهِ أَيْضًا بَلْ لِيَظْهَرَ السَّبَبُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنَّ السَّرِقَةَ هِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْحَدِّ إلَّا بِذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ الْمُحْرَزُ، وَمَالُ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِخُصُومَةِ الْغَيْرِ وَإِثْبَاتِهِ فَكَانَتْ الدَّعْوَى شَرْطًا لِإِثْبَاتِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ الْخَصْمُ بِلَا مِلْكٍ كَانَ كَافِيًا عِنْدَنَا كَالْمُكَاتَبِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَوْدِعِ وَالْعَبْدِ الْمُسْتَغْرِقِ بِالدَّيْنِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَوَجْهٌ آخَرُ لِتَقْرِيرِ الْجَوَابِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ الْعِصْمَةُ وَلَا عِصْمَةَ إلَّا بِكَوْنِ الْمَسْرُوقِ مَمْلُوكًا لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا لَا يُوصَفُ بِالْعِصْمَةِ بَلْ يُوصَفُ بِالْإِبَاحَةِ فَلَوْ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ لَبَطَلَتْ الْعِصْمَةُ أَصْلًا وَفِي بُطْلَانِهَا بُطْلَانُ الْجِنَايَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ النَّقْلِ تَحْقِيقُهَا لَا إبْطَالُهَا فَامْتَنَعَ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْعِصْمَةِ.

وَقَوْلُهُ؛ وَلِذَلِكَ تَحَوَّلَتْ الْعِصْمَةُ دُونَ الْمِلْكِ مُتَّصِلٌ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ وَمَعْنَاهُ عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ؛ فَلِكَوْنِ الْعِصْمَةِ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ دُونَ الْمِلْكِ انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ دُونَ الْمِلْكِ وَعَلَى التَّقْرِيرِ الثَّانِي فَلِعَدَمِ إمْكَانِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ تَحَوَّلَتْ الْعِصْمَةُ دُونَ الْمِلْكِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَوْفَقُ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَا عِصْمَةَ إلَّا بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَقَدْ وُجِدَتْ الْعِصْمَةُ بِدُونِ الْمِلْكِ؛ فَإِنَّهُ إذَا سَرَقَ مَالَ الْوَقْفِ مِنْ الْمُتَوَلِّي يَجِبُ الْقَطْعُ وَلَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّ الْوَقْفُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (قُلْنَا) الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ حُكْمًا؛ وَلِهَذَا يَرْجِعُ الثَّوَابُ إلَيْهِ وَالْغَلَّةُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ كَالْمَسْجِدِ وَالرِّبَاطِ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَيْضًا تَبَعًا لِأَصْلِهِ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أُسْتَاذُ الْأَئِمَّةِ حَمِيدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَوَائِدِهِ وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ؛ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الْبُرْغَرِيُّ فِي طَرِيقَتِهِ فِي جَوَابِ سَرِقَةِ مَالِ الْوَقْفِ وَسَرِقَةِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْقَطْعَ وَلَا مِلْكَ فِيهَا لِغَرِيمٍ وَلَا وَارِثٍ إنَّ الْمِلْكَ مَا شُرِطَ لِعَيْنِهِ؛ وَإِنَّمَا شُرِطَ لِمَكَانِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِظُهُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>