للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» وَعُمُومُ النَّصِّ يَنْفِيَ جَمِيعَ وُجُوهِ الضَّلَالَةِ فِي الْإِيمَانِ وَالشَّرَائِعِ جَمِيعًا «، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، فَمُرْ عُمَرَ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ» ، وَسُئِلَ عَنْ الْخَمِيرَةِ يَتَعَاطَاهَا الْجِيرَانُ، فَقَالَ: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» .

ــ

[كشف الأسرار]

كُلِّ الْأُمُورِ الَّذِي يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ إمَّا مَجْمُوعُ الْأُمَّةِ أَوْ بَعْضُهُمْ وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْكَوْنِ مَعَهُمْ يَسْتَلْزِمُ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ أَعْيَانِهِمْ.

وَقَدْ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّا لَا نَعْرِفُ وَاحِدًا نَقْطَعُ فِيهِ بِأَنَّهُ مِنْ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِالْكَوْنِ مَعَهُمْ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ مَجْمُوعُ الْأُمَّةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» ) هَذَا مِنْ الْحُجَجِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسُّنَّةِ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَهِيَ أَدَلُّ عَلَى الْغَرَضِ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا مِنْ جِهَةِ التَّوَاتُرِ وَتَقْرِيرُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ تَظَاهَرَتْ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِصْمَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى لِسَانِ الثِّقَاتِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ وَغَيْرِهِمْ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ» «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ أَوْ عَلَى ضَلَالَةٍ» سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَأَعْطَانِيهِ وَرُوِيَ عَلَى خَطَإٍ يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ، وَرُوِيَ وَلَا عَلَى خَطَأٍ «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» «يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلَا يُبَالِي بِشُذُوذِ مَنْ شَذَّ» «مَنْ خَرَجَ مِنْ الْجَمَاعَةِ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ عَنْ عُنُقِهِ» «مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ» «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» «ثَلَاثٌ لَا يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَائِهِمْ» «مَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةُ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ» «لَنْ يَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ نَاوَأَهُمْ أَيْ عَادَاهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَرُوِيَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي كَذَا وَكَذَا فِرْقَةٍ كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ قِيلَ: وَمَنْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ؟ قَالَ: هِيَ الْجَمَاعَةُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا تُحْصَى كَثْرَةً وَلَمْ تَزَلْ كَانَتْ ظَاهِرَةً مَشْهُورَةً بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى زَمَانِنَا هَذَا لَمْ يَدْفَعْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا مِنْ مُوَافِقِي الْأُمَّةِ وَمُخَالِفِيهَا وَلَمْ تَزَلْ الْأُمَّةُ تَحْتَجُّ بِهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ.

ثُمَّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الدَّلِيلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حُصُولُ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِأَنَّ قَصْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ آحَادُهَا تَعْظِيمُ شَأْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْإِخْبَارُ بِعِصْمَتِهَا عَنْ الْخَطَإِ كَمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ شَجَاعَةُ عَلِيٍّ وُجُودُ حَاتِمٍ وَخَطَابَةُ حَجَّاجٍ مِنْ آحَادِ وَقَائِعَ نُقِلَتْ عَنْهُمْ وَثَانِيهِمَا حُصُولُ الْعِلْمِ الِاسْتِدْلَالِيِّ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَمْ تَزَلْ ظَاهِرَةً مَشْهُورَةً بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مُتَمَسَّكًا بِهَا فِي إثْبَاتِ الْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهَا وَلَا نَكِيرٍ إلَى زَمَانِ الْمُخَالِفِ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِإِحَالَةِ اتِّفَاقِ مِثْلِ هَذَا الْخَلْقِ الْكَثِيرِ وَالْجَمِّ الْغَفِيرِ مَعَ تَكَرُّرِ الْأَزْمَانِ وَاخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ وَهِمَمِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ مَعَ كَوْنِهَا مَجْبُولَةً عَلَى الْخِلَافِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>