. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
فِي إثْبَاتِ أَصْلٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الْمَحْكُومُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنَبِّهَ أَحَدٌ عَلَى فَسَادِهِ وَإِبْطَالِهِ وَإِظْهَارِ النَّكِيرِ فِيهِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ رُبَّمَا خَالَفَ وَاحِدٌ وَلَمْ يُنْقَلْ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِمَّا تُحِيلُهُ الْعَادَةُ إذْ الْإِجْمَاعُ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الدِّينِ فَلَوْ خَالَفَ فِيهِ مُخَالِفٌ اُشْتُهِرَ إذْ لَمْ يَنْدَرِسْ خِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ وَحَدِّ الشُّرْبِ وَغَيْرِهِمَا فَكَيْفَ انْدَرَسَ فِي أَصْلٍ عَظِيمٍ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّضْلِيلُ وَالتَّبْدِيعُ لِمَنْ أَخْطَأَ فِي نَفْيِهِ أَوْ إثْبَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ اشْتَهَرَ خِلَافُ النَّظَّامِ مَعَ سُقُوطِ قَدْرِهِ فَكَيْفَ اخْتَفَى خِلَافُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؟ ،
وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّكُمْ اسْتَدْلَلْتُمْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ وَبِالْخَبَرِ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى الْإِجْمَاعِ بِالْخَبَرِ وَعَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ بِخُلُوِّ الْأَعْصَارِ عَنْ الْمُدَافَعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي إنْكَارَ إثْبَاتِ أَصْلٍ قَاطِعٍ بِحُكْمٍ عَلَى الْقَوَاطِعِ بِخَبَرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فَعَلِمْنَا بِالْعَادَةِ كَوْنَ الْخَبَرِ مَقْطُوعًا بِهِ لَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَادَةُ أَصْلٌ يُسْتَفَادُ مِنْهَا مَعَارِفُ بِهَا يُعْرَفُ بُطْلَانُ دَعْوَى مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ وَبُطْلَانُ دَعْوَى نَصِّ الْإِمَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالثَّالِثُ: لَعَلَّهُمْ أَثْبَتُوا الْإِجْمَاعَ بِغَيْرِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَمَسُّكَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِهَا فِي مَعْرِضِ التَّهْدِيدِ لِمُخَالِفِ الْجَمَاعَةِ دَلِيلٌ أَنَّ الْإِثْبَاتَ إنَّمَا كَانَ بِهَا.
الرَّابِعُ: لَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّحَّةِ لَعَرَّفَتْ الصَّحَابَةُ التَّابِعِينَ طُرُقَ صِحَّتِهَا دَفْعًا لِلشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ التَّعْرِيفِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِ تِلْكَ الطُّرُقِ قَرَائِنَ أَحْوَالٍ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحِكَايَةِ دَلَّتْ ضَرُورَةً عَلَى قَصْدِهِ إلَى بَيَانِ نَفْيِ الْخَطَأِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتِلْكَ الْقَرَائِنُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحِكَايَةِ وَلَوْ حَكَوْهَا لَتَطَرَّقَ إلَى آحَادِهَا احْتِمَالَاتٌ فَاكْتَفَوْا بِعِلْمِ التَّابِعِينَ بِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ.
الْخَامِسُ: حَمْلُهُمْ الضَّلَالَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ عَلَى الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ» وَقَوْلُهُ عَلَى الْخَطَإِ لَمْ يَتَوَاتَرْ وَإِنْ صَحَّ فَالْخَطَأُ عَامٌّ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْكُفْرِ وَدُفِعَ بِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ وَيُؤَكِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى} [الضحى: ٧] ، وَقَدْ فُهِمَ عَلَى الضَّرُورَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَعْظِيمُ شَأْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَخْصِيصُهَا بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ أَمَّا الْعِصْمَةُ عَنْ الْكُفْرِ فَقَدْ أَنْعَمَ بِهَا فِي حَقِّ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ وَزَيْدٍ عَلَى مَذْهَبِ النَّظَّامِ؛ لِأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الْحَقِّ وَكَمْ مِنْ آحَادٍ عُصِمُوا عَنْ الْكُفْرِ حَتَّى مَاتُوا فَأَيُّ خَاصَّةٍ لِلْأُمَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَا تُعْصَمُ عَنْهُ الْآحَادُ مِنْ سَهْوٍ وَخَطَأٍ وَكَذِبٍ وَيُعْصَمُ عَنْهُ الْأُمَّةُ تَنْزِيلًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مَنْزِلَةَ النَّبِيِّ فِي الْعِصْمَةِ عَنْ الْخَطَإِ فِي الدِّينِ وَأَشَارَ الشَّيْخُ إلَى جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ عُمُومُ النَّصِّ، وَهُوَ نَفْيُ الضَّلَالَةِ مُحَلَّاةً فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ إنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِاللَّامِ، وَكَوْنُهَا نَكِرَةً فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ إنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِغَيْرِ لَامٍ يَنْفِي جَمِيعَ وُجُوهِ الضَّلَالَةِ فِي الْإِيمَانِ وَالشَّرَائِعِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الضَّلَالَةَ ضِدُّ الْهُدَى وَالْهُدَى اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالشَّرَائِعِ وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْعَامِّ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ فَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى الْكُفْرِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.
السَّادِسُ: حَمْلُهُمْ الْخَطَأَ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِهِ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي الْآخِرَةِ أَوْ مِمَّا يُوَافِقُ النَّصَّ الْمُتَوَاتِرَ أَوْ دَلِيلَ الْعَقْلِ دُونَ مَا يَكُونُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأُمَّةِ لَمْ يَذْهَبْ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ مَا دَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute