للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ جَمَعَهُمْ دَلِيلٌ مُوجِبٌ يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ لَصَارَ الْإِجْمَاعُ لَغْوًا فَثَبَتَ أَنَّ مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ حَشْوٌ مِنْ الْكَلَامِ.

وَأَمَّا السَّبَبُ النَّاقِلُ إلَيْنَا فَعَلَى مِثَالِ نَقْلِ السُّنَّةِ فَقَدْ ثَبَتَ نَقْلُ السُّنَّةِ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِطَرِيقٍ فِيهِ شُبْهَةٌ، فَكَذَا هَذَا إذَا انْتَقَلَ إلَيْنَا إجْمَاعُ السَّلَفِ بِإِجْمَاعِ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى نَقْلِهِ كَانَ فِي مَعْنَى نَقْلِ الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ.

ــ

[كشف الأسرار]

الْعِلْمَ قَطْعًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمَا مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ قَطْعًا إذْ الْفَرْعُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ، كَذَا ذُكِرَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمِيزَانِ وَأُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّيْخِ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُمْ وَافَقُونَا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ عَنْ الْقِيَاسِ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ خُلِقُوا عَلَى هِمَمٍ مُتَفَاوِتَةٍ وَآرَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى شَيْءٍ إلَّا لِجَامِعٍ جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ وَكَلَامُ مَنْ الْتَزَمُوا طَاعَتَهُ وَانْقَادُوا لِحُكْمِهِ يَصْلُحُ جَامِعًا، فَأَمَّا الِاجْتِهَادُ بِالرَّأْيِ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّوَاعِي فَلَا يَصْلُحُ جَامِعًا وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا اجْتَهَدَ فَلَوْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَنْ اجْتِهَادٍ لَحَرُمَتْ الْمُخَالَفَةُ الْجَائِزَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَلَا عَصْرَ إلَّا، وَفِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ نُفَاةِ الْقِيَاسِ فَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مُسْنَدًا إلَى الْقِيَاسِ حُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ أَمْرٌ لَا يَسْتَحِيلُهُ الْعَقْلُ كَانْعِقَادِهِ عَنْ غَيْرِهِمَا وَالنُّصُوصُ الَّتِي تُوجِبُ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً لَا تَفْصِلُ وَبَيْنَهُمَا إذَا كَانَ مُسْتَنَدُهُ دَلِيلًا قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَقْيِيدًا لَهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَهُوَ فَاسِدٌ. كَيْفَ وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ مِثْلُ إجْمَاعِهِمْ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مُسْنَدًا إلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى حُرْمَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُسْنَدًا إلَى مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» وَمِثْلُ إجْمَاعِهِمْ عَلَى إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ مُسْنَدًا إلَى الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ الِاعْتِبَارُ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاهُ لِدُنْيَانَا وَإِجْمَاعِهِمْ فِي زَمَنِ عُمَرَ عَلَى حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ اسْتِدْلَالًا بِحَدِّ الْقَذْفِ حَيْثُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا حَدٌّ وَأَقَلُّ الْحَدِّ ثَمَانُونَ، وَقَالَ عَلِيٌّ إذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَأَرَى أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِينَ. ثُمَّ أَجَابَ الشَّيْخُ عَنْ كَلَامِهِمْ فَقَالَ: وَهَذَا أَيْ اشْتِرَاطُ جَامِعٍ لَا يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ وَكَوْنَهُ حُجَّةً لَمْ يَثْبُتْ مِنْ قِبَلِ دَلِيلِهِ أَيْ مُسْتَنَدِهِ لِيَشْتَرِطَ قَطْعِيَّةً بَلْ ثَبَتَ مِنْ قِبَلِ ذَاتِهِ لِأَجْلِ تَكْرِيمِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلِاسْتِدَامَةِ حُجَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَحْكَامِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ وَلِأَجْلِ تَقْرِيرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَحَجَّةِ أَيْ جَادَّةِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي لَا تَفْصِلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ قَطْعِيًّا أَوْ غَيْرَ قَطْعِيٍّ.

وَقَوْلُهُ (وَلَوْ جَمَعَهُمْ دَلِيلٌ يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ) لَصَارَ الْإِجْمَاعُ لَغْوًا يُوهِمُ بِظَاهِرِهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عِنْدَ الشَّيْخِ لَا يَنْعَقِدُ عَنْ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمِيزَانِ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ لَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمْ يَبْقَ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَالْقَطْعَ بِصِحَّتِهِ يَثْبُتَانِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْإِجْمَاعِ تَأْثِيرٌ فِي إثْبَاتِ شَيْءٍ فَيَكُونُ لَغْوًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ دَلِيلًا ظَنِّيًّا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ إنْ ثَبَتَ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ إلَّا بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلٍ ظَنِّيٍّ تَأَيَّدَ بِآيَةٍ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ بِالْعَرْضِ عَلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالتَّقْرِيرِ مِنْهُ عَلَى مُوجِبِهِ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِلْحَاجَةِ؛ فَإِنَّهُ مَتَى وَقَعَتْ حَادِثَةٌ لَا يَكُونُ فِيهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ اُضْطُرُّوا إلَى الْعَمَلِ بِدَلِيلٍ مُحْتَمِلٍ لِلْخَطَأِ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ خُرُوجُ الْحَقِّ عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ، وَالْحَاجَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>