للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا انْتَقَلَ إلَيْنَا بِالْأَفْرَادِ مِثْلُ قَوْلِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مُحَافَظَةِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَعَلَى إسْفَارِ الصُّبْحِ وَعَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ.

وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْجِنَازَةِ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ إلَّا أَنِّي رَأَيْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ يُكَبِّرُونَ أَرْبَعًا وَكَمَا رُوِيَ فِي تَوْكِيدِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ وَكَانَ هَذَا كَنَقْلِ السُّنَّةِ بِالْآحَادِ، وَهُوَ يَقِينٌ بِأَصْلِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ إلَيْنَا بِالْآحَادِ أَوْجَبَ الْعَمَلَ دُونَ عِلْمِ الْيَقِينِ وَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَبَى النَّقْلَ بِالْآحَادِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ وَمَنْ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ فَقَدْ أَبْطَلَ دِينَهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ مَدَارَ أُصُولِ الدِّينِ كُلِّهَا وَمَرْجِعَهَا إلَى إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ.

ــ

[كشف الأسرار]

إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا إذَا كَانَ دَلِيلُهُ ظَنِّيًّا دُونَ مَا كَانَ دَلِيلُهُ قَطْعِيًّا فَلَا يَنْعَقِدُ فِيمَا لَا حَاجَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَرِدُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَكِنَّ مَذْهَبَ الشَّيْخِ كَمَذْهَبِ الْعَامَّةِ فِي صِحَّةِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنْ أَيِّ دَلِيلٍ كَانَ ظَنِّيٍّ أَوْ قَطْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْعَقَدَ عَلَى مُسْتَنَدٍ ظَنِّيٍّ فَعَنْ مُسْتَنَدٍ قَطْعِيٍّ أَوْلَى أَنْ يَنْعَقِدَ؛ لِأَنَّهُ أَدْعَى إلَى الِاتِّفَاقِ الَّذِي هُوَ رُكْنُهُ وَبَعْدَمَا انْعَقَدَ بِهِ كَانَ مُؤَكِّدًا لِمُوجِبِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وُجِدَ فِي حُكْمٍ نَصَّانِ قَطْعِيَّانِ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ نَصٌّ مِنْ الْكِتَابِ وَخَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَوْ جَمَعَهُمْ دَلِيلٌ مُوجِبٌ عِلْمِ الْيَقِينِ لَوْ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْجَامِعُ دَلِيلًا قَطْعِيًّا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ كَانَ الْإِجْمَاعُ لَغْوًا لِعَدَمِ إفَادَتِهِ أَمْرًا مَقْصُودًا فِي صُورَةٍ، إذْ التَّأْكِيدُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ أَصْلِيٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْقَطْعَ إنْ صَدَرَ عَنْ ظَنِّيٍّ وَالتَّأْكِيدَ إنْ صَدَرَ عَنْ قَطْعِيٍّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَمَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَادِرًا إلَّا عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ؛ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْإِجْمَاعَ لَغْوًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ فَهُوَ وَمَنْ يُنْكِرُ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً أَصْلًا سَوَاءٌ.

وَقَوْلُهُمْ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ الْمُجْتَهِدِ مُسَلَّمٌ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ مُجْتَهِدُو عَصْرِهِ أَمَّا إذَا وَافَقُوهُ فَلَا. وَقَوْلُهُمْ وُجُودُ نُفَاةِ الْقِيَاسِ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقِيَاسِ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ حَادِثٌ فَإِذَنْ لَا يَمْنَعُ عَنْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنْ الْقِيَاسِ مُطْلَقًا بَلْ بَعْدَ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ.

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ اتِّفَاقٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ وَكَوْنِهِ حُجَّةً وَإِنَّمَا أَظْهَرَ الْخِلَافَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ مِمَّنْ لَا بَصَرَ لَهُ فِي الْفِقْهِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ لَا عِلْمَ بِحَقِيقَةِ الْأَحْكَامِ وَأُولَئِكَ لَا يُقْتَدَى بِهِمْ وَلَا يُؤْنَسُ بِوِفَاقِهِمْ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إذَا انْعَقَدَ بِدَلِيلٍ يَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَى الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ يَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَى الْحُكْمِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَطْلُوبُ وَلِأَجْلِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فَيَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَيْهِ وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُنْعَقِدَ عَلَى مُوجِبِ خَبَرٍ مِنْ الْأَخْبَارِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا لِأَجْلِهِ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ طَرِيقًا مَخْصُوصًا فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ النَّقْلُ فَيُطْلَبُ صِحَّتُهُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا انْتَقَلَ) أَيْ الْإِجْمَاعُ إلَيْنَا بِالْأَفْرَادِ أَيْ بِنَقْلِ الْآحَادِ وَجَوَابُ إذَا قَوْلُهُ كَانَ هَذَا أَيْ انْتِقَالُهُ بِالْأَفْرَادِ كَنَقْلِ السُّنَّةِ بِالْآحَادِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَكَانَ بَالِغًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.

وَاخْتُلِفَ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ بِلِسَانِ الْآحَادِ بَعْدَمَا اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ أَنَّهُ هَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ أَمْ لَا فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ كَقَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ إذَا نُقِلَتْ السُّنَّةُ إلَيْنَا بِطَرِيقِ الْآحَادِ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْعَمَلِ مُقَدَّمَةً عَلَى الْقِيَاسِ، فَكَذَا الْإِجْمَاعُ الْمَنْقُولُ بِالْآحَادِ.

وَذَكَرَ الضَّمَائِرَ الرَّاجِعَةَ إلَى السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ يَقِينٌ إلَى آخِرِهِ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَوْ قَوْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهَذَا أَيْ الْإِجْمَاعُ أَوْ انْتِقَالُ الْإِجْمَاعِ مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ الْحَدِيثِ أَوْ مِثْلُ انْتِقَالِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعَمَلَ وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَاطِعٌ يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَنَقْلُ الْوَاحِدِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ قَاطِعٌ.

وَالْجَوَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>