للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذِهِ جُمْلَةٌ لَا تُعْقَلُ إلَّا بِالْبَسْطِ وَالْبَيَانِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَنَا الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ بِطَرِيقِ وَضْعِهِ عَلَى مِثَالِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَاتِ فَجَعَلَ الْأُصُولَ شُهُودًا فَهِيَ شُهُودُ اللَّهِ وَمَعْنَى النُّصُوصِ هُوَ شَهَادَتُهَا، وَهُوَ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاحِيَّةِ الْأُصُولِ، وَهُوَ كَوْنُهَا صَالِحَةً لِلتَّعْلِيلِ كَصَلَاحِيَّةِ الشُّهُودِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاحِ الشَّهَادَةِ كَصَلَاحِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ خَاصَّةً وَعَدَالَتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ لِلْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَالِبٍ لِلْحُكْمِ عَلَى مِثَالِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ الْقَائِسُ وَلَا بُدَّ مِنْ مَطْلُوبٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ وَلَا بُدَّ مِنْ مُقْتَضَى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقَلْبُ بِالْعَقْدِ ضَرُورَةً وَالْبَدَنُ بِالْعَمَلِ أَصْلًا أَوْ الْخَصْمُ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ وَالْحَاجَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ هُوَ بِمَعْنَى الْقَاضِي، وَهُوَ الْقَلْبُ.

،

ــ

[كشف الأسرار]

وَلَوْ قِيلَ: حَمْلُ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ لَتَنَاوَلَ الْمَوْجُودَ دُونَ الْمَعْدُومِ إذْ الْمَعْدُومُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَكَذَا لَوْ قِيلَ: حَمْلُ فَرْعٍ عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْمَعْدُومِ وَإِنْ كَانَ لَا يَبْعُدُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ مَا وَالْحُكْمُ قَدْ يَكُونُ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وَكَذَا الْجَامِعُ قَدْ يَكُونُ حُكْمًا وَصِفَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَالِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ مَعَ أَجْوِبَتِهَا مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِهِمْ قُلْت فَلْتُطْلَبْ فِيهَا.

١ -

قَوْلُهُ (وَهَذِهِ جُمْلَةٌ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَدْرَكٌ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَمُفَصَّلٌ أَمْرٌ مُبْهَمٌ لَا يُعْقَلُ إلَّا بِالْبَسْطِ وَعِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ هَذَا أَيْ كَوْنُهُ مَدْرَكًا بِبَسْطِ الْكَلَامِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَيْ بَيَانُ كَوْنِهِ مَدْرَكًا وَمُفَصَّلًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَنَا الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ النُّصُوصُ بِطَرِيقِ وَضْعِهِ يَعْنِي لِلْقِيَاسِ عَلَى مِثَالِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَاتِ فِي خُصُومَاتِ الْعِبَادِ وَتَعَلُّقُ عَلَى بِقَوْلِهِ كَلَّفَنَا الْعَمَلَ أَوْ بِقَوْلِهِ وَضْعِهِ فَجَعَلَ الْأُصُولَ وَهِيَ النُّصُوصُ شُهُودًا؛ فَإِنَّهَا شُهُودُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حُقُوقِهِ وَأَحْكَامِهِ بِمَنْزِلَةِ الشُّهُودِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمَعْنَى النُّصُوصِ هُوَ شَهَادَتُنَا أَيْ مَعْنَاهَا الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ لَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَفُسِّرَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ الْعِلَّةُ الْجَامِعَة دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاحِيَّةِ الْأُصُولِ أَيْ لِلشَّهَادَةِ، وَهُوَ أَيْ الصَّلَاحِيَّةُ عَلَى تَأْوِيلِ الصَّلَاحِ كَوْنُهَا أَيْ الْأُصُولِ صَالِحَةً لِلتَّعْلِيلِ بِأَنْ لَا يَكُونَ النَّصُّ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ أَوْ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِنَصٍّ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاحِيَّةِ الشَّهَادَةِ أَيْ شَهَادَةِ النَّصِّ بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الدَّالُّ عَلَى الْحُكْمِ مُلَائِمًا أَيْ مُوَافِقًا لِتَعْلِيلِ السَّلَفِ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ نَهْجِهِمْ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ صَلَاحِيَّةِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِأَنْ يَشْهَدَ بِلَفْظٍ خَاصٍّ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ أَوْ أَحْلِفُ لَا يَكُونُ شَهَادَةً وَعَدَالَتُهُ أَيْ عَدَالَةُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ كَوْنُهُ صِدْقًا.

وَاسْتِقَامَتُهُ أَيْ مُطَابَقَتُهُ لِلْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِدَعْوَى الْمُدَّعِي حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَلْفَ دِينَارٍ وَشَهِدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ صِدْقًا لِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَيْ فَمِثْلُ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ هَذِهِ الشَّهَادَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا فَكَمَا لَا بُدَّ مِنْ الصَّلَاحِيَّةِ وَالْعَدَالَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ هُنَاكَ لَا بُدَّ مِنْهَا هَاهُنَا أَيْضًا فَصَلَاحِيَّةُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِالْمُلَاءَمَةِ كَمَا قُلْنَا وَعَدَالَتُهَا بِالتَّأْثِيرِ وَاسْتِقَامَتُهَا بِمُطَابَقَتِهَا الْحُكْمَ الْمَطْلُوبَ وَخُلُوِّهَا عَنْ فَسَادِ الْوَضْعِ وَنَحْوِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُقْتَضًى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقَلْبُ بِالْعَقْدِ ضَرُورَةً وَالْبَدَنُ بِالْعَمَلِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِيَاسِ هُوَ الْعَمَلُ بِالْبَدَنِ دُونَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ فَكَانَ الْبَدَنُ أَصْلًا فِي إيجَابِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ صِحَّةَ الْعَمَلِ لَمَّا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الِاعْتِقَادِ وَجَبَ عَلَى الْقَلْبِ الْعَقْدُ ضَرُورَةً وَهَذَا إذَا حَاجَّ نَفْسَهُ فَإِنْ حَاجَّ غَيْرَهُ فَالْمُقْتَضَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الِانْقِيَادُ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ حَكَمٍ هُوَ بِمَعْنَى الْقَاضِي، وَهُوَ الْقَلْبُ يَحْكُمُ بَعْدَ فَهْمِهِ تَأْثِيرَ وَصْفٍ فِي حُكْمٍ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَالْقَاضِي فِي الْخُصُومَاتِ يَقْضِي بَعْدَ فَهْمِ الشَّهَادَةِ بِثُبُوتِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَاءً عَلَى الشَّهَادَةِ.

(فَإِنْ قِيلَ) قَدْ صَارَ الْقَلْبُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا حَاجَّ نَفْسَهُ فَكَيْفَ يَصْلُحُ حَاكِمًا بَعْدُ وَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ. (قُلْنَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ هُوَ الْبَدَنُ حَقِيقَةً وَقَصْدًا وَالْقَلْبُ صَارَ مُقْتَضَيًا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الضِّمْنِ وَالضَّرُورَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ كَوْنِهِ حَاكِمًا كَالْقَاضِي إذَا قَضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>