للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خ- ومن الأدلة على بطلان النص (١): أن الكلام في الإمامة جرى أمام سيدنا علي - رضي الله عنه - في أوقات مختلفة، فمنها يوم السقيفة عندما عقدوا الخلافة لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ومنها استخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما، ومنها حين جعل عمر - رضي الله عنه - الأمر شورى بين ستة، ومنها حين قتل عثمان - رضي الله عنه - وبويع علي - رضي الله عنه - بالشورى، وحين حُكِّم الحكمان بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه -، ولم يَدَّع سيدنا علي في وقت من هذه الأوقات أنه منصوص عليه من جهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلو كان يعرف نصَّاً لأظهره، ولقاتل عليه من خالفه، ولا يقال إن علياً - رضي الله عنه - لم يقاتل خوف الفتنة، لأنه قاتل في زمن معاوية وقتل في الحرب الخلق الكثير، وقاتل طلحة والزبير وعائشة - رضي الله عنهم - حين علم أن الحق له، ولم يترك ذلك لسبب الفتنة، كما لا يقال إنه لم يقاتل لعجزه عن القتال، لأن الذين نصروه في زمن معاوية كانوا على الإيمان يوم السقيفة ويوم استخلاف عمر ويوم الشورى، فلو علموا أن الحق له لنصروه.

ثم إن هذا النص الذي يدَّعونه لا يخلو إما أن يكونوا عرفوه عقلاً أو خبراً، ولا يمكن أن يكون طريقه العقل لأنه ليس في العقل ما يدل على تنصيص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إنسان بعينه، وإن قالوا عرفناه خبراً فلا يخلو إما أن يكون خبراً متواتراً أو آحاداً، فإن ادعوه خبراً متواتراً فهو محال لأنه لو كان متواتراً لما خفي إلى يومنا هذا كما لم يَخْفَ تجهيز جيش أسامة وتولية معاذ اليمن، وكما لم يَخْفَ نصب أبي بكر إماماً واستخلافه لعمر رضي الله عنهما، ولأنا لو جوزنا انكتام مثل هذا الأمر الظاهر لجوزنا أن يكون القرآن قد عورض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كتم، وكلُّ أصلٍ في الإمامة يوجب بطلان النبوة كان محالاً (٢)، وإن قالوا عرفناه بخبر الآحاد، قلنا يعارضه أخبار آحاد في النص على أبي بكر - رضي الله عنه -، وإذا تعارضت الآحاد سقط الاستدلال بها، وإن قالوا بالنص الخفي قلنا ببطلانه بإجماع الصحابة على خلافه، إذ لو وجد نصٌّ لما خالفوه، كما لم يخالفوا أبا بكر - رضي الله عنه - يوم السقيفة في روايته حديث: «الأئمة من قريش» (٣).


(١) انظر: الغنية في أصول الدين لعبد الرحمن المتولي النيسابوري: ص ١٨٠ - ١٨٤.
(٢) غياث الأمم للجويني: ص ٣٦.
(٣) سبق تخريجه في ص (١١٥) حاشية (١). وانظر بعض الردود على من اشترط النص على الإمام في: المسايرة ومعه المسامرة رسالة دبلوم لحسن عبيد: ص ٣٠٥ - ٣٠٦. شرح المقاصد للتفتازاني: ٥/ ٢٩٠. = = الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي: ص ٢٨٤ - ٢٨٥. وللجاحظ المعتزلي كتاب بعنوان (العثمانية) وهو ضمن كتاب (رسائل الجاحظ: ٤/ ١٩ - ٤٣) ردَّ فيه على الشِّيعة. الصواعق المحرقة للهيتمي: ١/ ٦٩ وما بعدها. الخلافة والملك لعبد السلام ياسين، كتاب على الإنترنت: تحت عنوان (الاختيار).

<<  <   >  >>