للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان بعض الشعراء يخاطبون الخلفاء في زمانهم بـ: (خليفة الله) (١)، وأسوق هذا لحكاية الحال وليس للاستدلال (٢)، كما كان خلفاء بني العبَّاس يُسمُّون أنفسَهم بخليفة الله (٣).

وقد ظهر استعمال كلمة (خليفة الله) بعد انتقال الخلافة إلى الأمويين، لأنَّهم أرادوا دعم خلافتهم - وخاصَّة في عهد عبد الملك بن مروان ومن بعده - فأدخلوا فكرة الجبر في الخلافة، وأنَّ خلافتهم بقدر من الله، وأنَّ سلطتهم تستمد شرعيَّتها منه، فاستخدموا كلمة (خليفة الله) على غير ما كان يستخدمها به الصحابة رضوان الله عليهم، فوقف الفقهاء ضد هذا الاتجاه وأكدوا حريَّة الإرادة، ولكنَّ التطوُّر العمليَّ للخلافة وانتقالها إلى العباسيين، وما نتج عن ذلك من تقليل دور الأمة في الحياة السياسيَّة، دفع الفقهاء إلى قبول الخليفة خليفة لله (٤).


(١) سير أعلام النبلاء للذهبي: ٩/ ٧٠ حيث نقل شعراً لأبي العتاهية يصف فيه هارون بخليفة الله. والمعجم الكبير للطبراني: ١/ ٨٥ رقم (١٢٧). ومجمع الزوائد: ٩/ ٩٩ حيث نقلا شعراً لِليلى الأخيليَّة أنشده العباس بن الفضل الرياشي بعد استشهاد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وصفه فيه بخليفة الله. ولسان العرب لابن منظور: ٤/ ١٣٨ مادة (جشر) حيث ذكر شعراً للأخطل يخاطب فيه عبد الملك بن مروان بخليفة الله. صبح الأعشى للقلقشندي: ٩/ ٢٨٧ ناقلاً قول أعرابية تخاطب المنصور.
(٢) قال الثعالبي في تفسيره ٤/ ٣٦: ما يجيء من الشعر من تسمية أحد الخلفاء بخليفة الله فذلك تجوز وغلو، ألا ترى أن الصحابة حرزوا هذا المعنى فقالوا لأبي بكر - رضي الله عنه -: خليفة رسول الله.
(٣) انظر تاريخ بغداد: ٣/ ٣٣٩، ٩/ ٤١١، ١٣/ ١٧٨، ١٤/ ٢٦٣.
(٤) انظر مثلاً: كتاب الخراج لأبي يوسف، وقد وصف أبو الأعلى المودودي توجه أبي يوسف في هذا الكتاب إلى وصف هارون الرشيد بأنه خليفة الله، بأنه كان في كل موضع من صفحات كتابه. انظر الخلافة والملك للمودودي: ص ١٩٤. تطور الفكر السياسي لِيوجَه سوي: ص ١٠٤، ١٨٨. تاريخ الطبري: ٣/ ١٧١، ٣/ ١٩٩، ٤/ ٥٨. العقد الفريد لابن عبد ربه: ١/ ١٣٩. ولمعرفة المزيد عن رأي الأمويين انظر: البيان والتبيين للجاحظ: ٢/ ٦٣ - ٩١. أنساب الأشراف للبلاذري: ٤/ ٢٧، ٢٤١. العقد الفريد لابن عبد ربه: ١/ ١٢٢، ٣٧٤، ٢/ ٢٢١. المنية والأمل لابن المرتضى: ص ٩٤. وغيرهم.

<<  <   >  >>