للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن معاني إطلاق (خليفة الله) على الخليفة عند من أجاز ذلك، أنَّه هو الذي يقوم بحقوق الله في خلقه، وهو الذي يدافع عن حق الله إذا انتهك، بتطبيق الحدود الشرعية، وهو ما يسمى اليوم بالحق العام، كما أنه يُمَثِّلُ السلطة العليا القائمة على النَّاس، وليس فوقه إلا الله، فهو في مقام المُتصرِّف في أمور العباد فيما لله سبحانه التصرُّف فيه على وجه الحقيقة (١).

هذا ولم يُجوِّز جمهورُ الفقهاء إطلاقَ: (خليفة الله) على الخليفة، ونسبوا قائله إلى التَجوُّز (٢). وسيأتي تفصيل قولهم بعد قليل.

وممن نفى أن يكون الخليفةُ خليفةً عن الله، ابنُ تيمية - رحمه الله - وردَّ على الشيخ ابن عربي القائل بذلك؛ فبعد أن نَقَلَ ابن تيمية في كتابه (الخلافة والملك) قولَ ابن عربي هذا، ونقل ما استدلَّ به عليه من مثلِ قولِه - عز وجل -: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} البقرة/٣١. وقولِه - صلى الله عليه وسلم -: «خلق الله آدم على صورته» (٣) وأن الإنسان - من بين المخلوقات - هو الخليفة والجامع للأسماء والصفات، قال - أي ابن تيمية -: «إنَّ الله لا يجوز أن يكون له خليفة لأنَّّ الله حيٌّ شهيد مهيمن قيُّوم حفيظ غنيٌّ عن العالمين ليس له شريك ولا ظهير، والخليفة إنَّما يكون عند عَدِمِ المستخلِف بموت أو غيبة، وهذه المعاني منتفية في حق الله» (٤). كما نفى أن يكون قولُه - عز وجل -: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} ص/٢٦. معناه أن يكون خليفة عن الله، وإنما هو خليفة عمن قبله من الخلق. وهاجم بشدة من قال بهذا - وخاصَّة الشيخَ ابنَ عربي - ونَسَبَه إلى الإلحاد (٥)، رغم أنَّ هذا قول كثير من المفسرين والعلماء!!.


(١) الأحكام السلطانية للفرَّاء: ص ٢٧. وانظر الخلافة والإمامة للخطيب: ص ٢٣٧.
(٢) أي على سبيل المجاز، وجاء في معالم الخلافة للخالدي ص ٣٢، وغيره: «ونسبوا قائله إلى الفجور». وأظنه تصحيف. الموسوعة الفقهية: ٦/ ٢١٧.
(٣) صحيح البخاري: ٥/ ٢٢٩٩ كتاب الاستئذان، باب بدء السلام، رقم (٥٨٧٣) عن أبي هريرة. صحيح مسلم: ٤/ ٢١٨٣ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير رقم (٢٨٤١) عن أبي هريرة.
(٤) الخلافة والملك لابن تيمية: ص ٥٣.
(٥) منهاج السنة النبوية لابن تيمية: ١/ ٣١٧، ٣١٨.

<<  <   >  >>