ورسالة رسوم تصبح بها رسوم الفضل رياضًا نضرة، أو سماء بالنجوم زاهرة إِن لم ترض أن تكون رياضًا في الأرض مزهرة.
بها أَمِنتْ المطابع من الزَّلل، وأصبح الكُتّاب في جُنَّة من طوارق الخلل، وباهوا في مطارف معارف، وقالوا في ظل من التصحيح وارِف، مع ألفاظ رقَّت لطفًا فكانت على الحقيقة نسيم الشمال، ومعانٍ دقّت فكانت أَسَحَر من عيون الغزلان، وأَمْضَى من السيوف الصِّقال.
فلو أن لفظًا تصوّر جوهرًا تتحلى به الأعناق، أو كوكبًا تستضئ به الآفاق، كانت تلك الألفاظ التي تفضى بسامعها إِلى السجود وتسرى سلافة وقتها في الأفئدة سَرَيانَ الماء في العود.
فما أَعْجَبَه من مؤلف بَدْر إِشراقه في مطالع تمه، وزَهَر زَهْر فضله يَفْترُّ حسنًا في كمه.
فلله ما تضمنه من بديع الاختراع الذى هو كأنه شكل صاحبه انطبع في مرآة الطروس بانعكاس الشعاع.
ولله مؤلفه حيث أوضح فيه من خفايا خطوط الخطوط أفصح إِيضاح، وفتح به أبواب المعانى لكل معان بدون مفتاح، وحشد في بيوت أبوابه ما تسخر رقته بالشمال، والشمول، مطلعًا في بروجه من مطالع قلمه ما لا تدّعيه البدور الكوامل، مبدعًا من جوامع عباراته وبدائع براعاته ما حصر عنه لسان سحبان وائل (١). قائلًا لمن حوله من الفضلاء: ألا تستمعون؟ ولذوى المجاراة في هذا الفن العجيب: ألا تجتمعون؟ فقال القوم: هيهات هيهات، وأَنَّى لنا المطار في
(١) هو سحبان بن زفر بن إِياس الوائلى، من باهلة، خطيب يضرب به المثل في البيان فيقال: "أخطب من سحبان"، "أفصح من سحبان" اشتهر في الجاهلية وعاش زمنًا في الإِسلام، وكان إِذا خطب يسيل عرقًا, ولا يعيد كلمة، ولا يتوقف ولا يقعد حتى يفرغ، وأسلم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجتمع به، وأقام في دمشق أيام معاوية بن أبي سفيان، وله شعر قليل وأخبار، توفي سنة ٥٤ هـ "تهذيب تاريخ ابن عساكر جـ٦ ص ٦٥، بلوغ الأرب للآلوسى جـ٣ ص ١٥٦، خزانة الأدب جـ٤ ص ٣٤٧، وانظر الأعلام جـ٣ صـ ٧٩".