فيها، وكانت في مقدّمتها «السيرة النبوية» لابن هشام، و «زاد المعاد في هدي خير العباد» لابن قيّم الجوزية، ولم يدرسهما دراسة علمية فحسب، بل عاش فيهما زمنا طويلا، يذوق بهما حلاوة الإيمان، ويغذّي بما جاء فيهما من القصص والأخبار عاطفة الحبّ والحنان، ومن المقرّر أن السيرة أقوى العناصر التربوية وأكثرها تأثيرا في النفس والعقل بعد القرآن، ثم قرأ ما وصلت إليه يداه من كتب السيرة المؤلّفة قديما وحديثا، وفي لغات مختلفة.
وكانت السّيرة هي المادّة الأولى التي يعتمد عليها في كتاباته ومحاضراته، يستمد منها القوّة في البيان، والتأثير في العقول والقلوب، والدلائل القوية، والأمثلة البليغة، لإثبات ما يريد إثباته، وهي التي كانت ولا تزال تفتّق قريحته، وتشعل مواهبه، وما من كتابة ذات قيمة من كتاباته إلا وعليها مسحة من جمال السيرة، وفضل لدراستها والتأمل فيها.
وقد جمع ما كتب في جوانب السيرة المختلفة، وعظمة البعثة المحمّدية وما ألقاه من محاضرات وأحاديث، في كتاب أسماه «الطريق إلى المدينة»«١» .
وقد عاش المؤلّف هذه المدّة الطويلة، وقد ألّف عشرات من الكتب لا يفكّر في إفراد كتاب في السيرة النبوية، رغم أنه كان يشعر بمسيس الحاجة إلى كتاب كتب في أسلوب عصريّ علميّ، استفيد فيه من خير ما كتب في القديم والحديث، مؤسّسا على مصادر السيرة الأولى الأصيلة، مطابقا لما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، لم يكتب في الأسلوب الموسوعي) Encyclopaedic (الحاشد للمعلومات في غير نقد وتمحيص، الأسلوب الذي
(١) ظهرت لهذا الكتاب ثلاث طبعات في المدينة المنورة، ولكهنؤ، وآخرها طبعة دار ابن كثير ودار القلم بدمشق.