للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل إما أنه لم يزل رائياً لها، وإما أنه يتجدد شئ موجود بل تعدد معدوم، إلى أمثال هذه المقالات التى خالفوا فيها نصوص الكتاب والسنة مع مخالفة صريح العقل.

والذى ألجأهم إلى ذلك موافقتهم للجهمية على أصل قولهم في أنه سبحانه لا يقدر في الأزل على الفعل والكلام، وخالفوا السلف والأئمة في قولهم: لم يزل الله تعالى متكلماً إذا شاء، ثم افترقوا أحزاباً أربعة كما تقدم: الخلقية والحدوثية، والاتحادية، والافتراقية. وشر من هؤلاء الصابئة والفلاسفة الذين يقولون: إن الله سبحانه لم يتكلم بكلام قائم بذاته، ولا بكلام يتكلم به بمشيئته وقدرته، لا قديم النوع ولا قديم العين، ولا حادث ولا مخلوق، بل كلامه عندما يفيض على نفوس الأنبياء عليهم السلام.

ويقولون: إنه كلمة موسى من سماء عقله، وقد يقولون: إنه تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات فإنه إنما يعلمها على وجه كلي.

ويقولون مع ذلك: إنه يعلم نفسه ويعلم ما يفعله. وقولهم: نفسه ومفعولاته حق، كما قال تعالى:: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك ١٤] لكن قولهم مع ذلك: أنه لا يعلم الأعيان المعينة جهل وتناقض، فإن نفسه المقدسة معينة، والأفلاك معينة، وكل موجود معين، فإن لم يعلم المعينات لم يعلم شيئاً من الموجودات، إذ الكليات إنما تكون كليات في الأذهان لا في الأعيان، فمن لم يعلم إلا الكليات لم يعلم شيئاً من الموجودات - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

وهم إنما ألجأ لهم إلى هذا الإلحاد فرارهم من تجدد الأحوال للبارئ تعالى مع ان هؤلاء يقولون: إن الحوادث تقوم بالقديم، وإن الحوادث لا أول لها، لكن نفوا ذلك عن البارئ عز وجل، لاعتقادهم أنه لا صفة له، بل هو وجود مطلق. وقالوا: إن العلم نفس عين العالم، والقدرة نفس عين القادر.

<<  <   >  >>