العبادات وأنواعها - تحقق أن هذا الألتجاء والتوكل والرجاء بمثل طلب الشفاعة هو الذى نهى عنه الأولون، وأرسل لأجل قمعه المرسلون، وبذلك نطق الكتاب، وبينه لنا خير من اوتى الحكمة وفصل الخطاب، سيما إذا استغيث بهم لدفع الشدائد والملمات، ولرفع الكرب المهمات، مما لا يقدر على دفعه إلا خالق الأرض والسماوات.
وقد كان الأولون إذا وقعوا في شدة دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إذا هم يشركون. ومن فعل هذا بحالتى الشدة والرخاء، بل في قسمى المنع والعطاء فقد غلا وداوز حده، قال سبحانه:{له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}[الرعد ١٤] .
وإذا علمت هذا، فاعلم أن الاستغاثة بالشئ طلب الإغاثة والغوث منه، كما ان الاستغاثة بشئ: طلب الإعانة منه. فإذا كانت بنداء من المستغيث للمستغاث كان ذلك سؤالاً منه، وظاهر أن ذلك ليس توسلاً به إلى غيره، بل طلب منه، إذ قد جرت العادة أن من توسل بأحد عند غيره أن يقول لمستغاثه: أستغيثك على هذا الآمر بفلان، فيوجه السؤال إليه ويقصر أمر شكواه عليه، ولا يخاطب المستغاث به ويقول له ارجو منك، أو أريد منك، أو أستغيث بك، ويقول إنه وسيلتى إلى ربي، فإن هذا غير معروف، وإن كان كما يقول فما قدر عظم المتوسل إليه حق قدره وتعظيمه، وقد رجا وتوكل والتجأ إلى غيره. كيف واستعمال العرب يأبي عنه، فإن من يقول: صار لى ضيق فاستغيث بصاحب القبر فحصل الفرج، يدل دلالة جبلية على أنه قد طلب الغوث منه، ولم يفد كلامه أنه توسل به عند غيره، بل إنما يراد هذا المعنى إذا قال: توسلت أو أستغيث عند الله تعالى بفلان، أو يقول لمستغاثه وهو الله سبحانه: استعيث إليك بفلان، فيكون حينئذ مدخول الباء متوسلاً به،