للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا يتوسلون بعده بالعباس - رضي الله عنه -، ولو كان المتوسل بذاته المقدسة ممكناً بعد الموت لم يعدلوا إلى العباس.

والأعمى إنما توجه بدعائه، وكذلك الصحابة في الأستسقاء، وكذلك الناس يوم القيامة، كما ورد في حديث الشفاعة. وأما مجرد الذات بعد الممات فلا دليل عليه، ولا قاله أحد من السلف، بل المنقول عنهم يناقض ذلك. ونص غير واحد من العلماء أن هذا لا يجوز، وإن نقل عن بعضهم جوازه، فقد قال الله تعالى: {فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول} الآية - إلى أن قال: ونحن نعلم بالضرورة أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ولا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها.

كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك، ونعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذى حرمه الله تعالى ورسوله. لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين، لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه.

ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن بها وقال: هذا أصل دين الإسلام.

وكان بعض أكابر الشيوخ من اصحابنا يقول: هذه أعظم ما بينته لنا لعلمه بأن هذا أصل دين الإسلام، وكان هذا وأمثاله يدعون الأموات ويسألونهم، ويستجيرون بهم ويتضرعون إليهم، وربما كان ما يفعلونه أعظم لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورة نزلت بهم، فيدعون دعاء المضطر راجين قضاء حاجاتهم بدعائه أو الدعاء به أو الدعاء عند قبره. بخلاف عبادتهم لله تعالى، فإنهم يفعلونها في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف.

<<  <   >  >>