المبالغة من تربص سنة في شر ثيابها وحفش بيتها، فخفف الله تعالى عنهم ذلك بشريعته التى جعلها رحمة وحكمة ومصلحة ونعمة، بل هي من أجل نعمة عليهم على الإطلاق، فله الحمد كما هو أهله.
وكانت أربعة أشهر وعشراً على وفق الحكمة والمصلحة، إذ لا بد من مدة مضروبة لها، وأولى المدد لذلك المدة التى يعلم فيها وجود الولد وعدمه، فإنه يكون أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين علقة، ثم أربعين مضغة - فهذا أربعة أشهر. ثم ينفخ فيه الروح في الطور الرابع، وقدر بعشرة أيام، لتظهر حياته بالحركة إن كان ثم حمل.
فصل
وأما عدة الطلاق فلا يمكن تعليلها بذلك، لأنها إنما تجب بعد المسيس بالاتفاق، ولا ببراءة الرحم، لأنها تحصل بحيضة كالاستبراء، وإن كان ببراءة الرحم بعض مقاصدها. ولا يقال: هي تعبد لما تقدم، وإنما يتبين حكمها إذا عرف ما فيها من الحقوق، ففيها حق الله سبحانه، وهو أمتثال أمره وطلب مرضاته. وحق للزوج المطلق، وهو اتساع زمن الرجعة له. وحق للزوجة، وهو استحقاقها النفقة والسكنى مادامت في العدة. وحق للولد، وهو الاحتياط في ثبوت نسبه، وأن لا يختلط بغيره. وحق للزوج الثاني، وهو أن لا يسقى ماؤه زرع غيره. فرتب الشارع على كل واحد من هذه الحقوق ما يناسبه من الأحكام، فرتب على رعاية حق لزوم المنزل، وأنها لا تخرج ولا تخرج، هذا موجب القرآن، ومنصوص إمام اهل الحديث أهل الرأى. ورتب على حق المطلق تمكينه من الرجعة مادامت في العدة، وعلى حقها استحقاق النفقة والسكنى، وعلى حق الولد ثبوت نسبه وإلحاقه بأبيه دون غيره، وعلى حق الزوج الثاني دخوله على بصيرة ورحم برئ غير مشغول بولد غيره