فكان في جعلها ثلاثة قروء رعاية لهذه الحقوق، وتكميلاً لها. وقد دل القرآن على أن العدة حق للزوج عليها بقوله تعالى:{يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمال كم لعيهن من عدة تعتدونها} فهذا دليل على ان العدة للرجل على المرأة بعد المسيس. وقال تعالى:{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} فجعل الزوج أحق بردها في العدة، فإذا كانت العدة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر طالت مدة التربص، لينظر في أمرها هل يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان؟ كما جعل الله سبحانه للمولى تربص أربعة أشهر، لينظر في أمره هل يفئ أو يطلق، وكما جعل مدة تخيير الكفار أربعة أشهر، لينظروا في أمرهم ويختاروا لأنفسهم. فإن قيل: هذه العلة باطلة، فإن المختلعة والمسفوخ نكاحها بسبب من الأسباب، والمطلقة ثلاثاً، والموطوءة بشبهه، والمزنى بها تعتد ثلاثة قروء، ولا رجعة هناك، فقد وجد الحكم في صورة ثابتاً بنص أو إجماع، وأما كونه قولاً لبعض العلماء فلا يمكن النقض به.
وقد أختلف الناس في عدة المختلعة، فذهب إسحاق وأحمد في أصح الروايتين عنه دليلاً أنها تعتد بحيضة واحدة. وهو مذهب عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس - رضي الله عنه -. وقد حكى إجماع الصحابة ولا يعلم له مخالف. وقد دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة دلالة صريحة. وعذر من خالفها أنها لم تبلغه أو لم تصح عنده، أو ظن الإجماع على خلاف موجبها، فهذا القول هو الراجح في الأثر والنظر. أما رجحانه أثراً فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المختلعة قط أن تعتد ثلاث حيض، بل قد روى اهل السنن عنه عليه الصلاة والسلام من حديث الربيع بنت معوذ أن ثابت بن قيس ضرب أمرأته فكسر يدها، وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي،