ومن العجب أن تمدح التعاليم الديمقراطية؛ لأنها اكتشفت تلك الجوانب, ولا يمدح الإسلام ويعترف له بالفضل وهو السابق لها بسنين عددًا, أليس الفضل للمتقدِّم؟ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} ١.
لقد قلَّ الإنصاف للإسلام حتَّى عند الكثير ممن ينتسب إليه من العاقلين له, الذين يحاولون أن يقدِّموا تعاليم الديمقراطية على تعاليمه, ملتمسين أنواع الخدع والاحتيال لتنفيذ ذلك في نفاق تامٍّ وأساليب مختلفة في ديار الإسلام وبين ظهراني المسلمين, وقد اتَّضح بصورة جليّة أن أكثر ما يجتذب الناس إلى الديمقراطية الغربية إمَّا الهرب من أحكام الدين وتكاليفه الشرعية إلى الفوضى الجماهيرية التي يجدون فيها الحرية الفوضوية بكامل صورها, وإمَّا بسبب ما تنادي به الديمقراطية من الرجوع إلى الشعب في الأحكام, وهؤلاء يحبُّون هذا الجانب بحجَّة الحد من سلطان الحاكم وجبروته, وهم جادون في ذلك.
أما القسم الأول: فهم الغافلون الفوضويون من الجهال، وأما القسم الثاني: فعللهم لا يعلمون أن الإسلام لا يجعل الحاكم هو السلطان المطلق دون الرجوع إلى أحد. لا يعلمون أنَّ الله تعالى قد أخبر أنه يجب أن يكون أمر المؤمنين شورى بينهم, وكما أسند الله تعالى الحكم في بعض القضايا إلى أهل الرأي والمعرفة كالإصلاح بين الزوجين وما يحكم به الحكمان وكتقدير صيد المحرم، وغير ذلك مما سبق فيه الإسلام الديمقراطية الغربية, على أنه إذا وجد حاكم مسلم يتَّصف بالجور والطغيان وعدم الخوف من الله تعالى, وعدم استطاعة أحد من الناس مراجعته, أو الحدّ من طغيانه, فهذا لا يعني أنه لا حلَّ أمامنا إلى التزام الديمقراطية الغربية، بل الحل هو القيام