لقد نادت الكنيسة بسلوك غريب يصعب على النَّفس السويّة أن تتقبَّله أو ترتاح إليه، فهو يدعو إلى الفقر والكسل, وإلى الذل للطغاة الجبابرة، ثم إلى محاربة الغرائز النفسية التي أودعها الله في الإنسان من حب المال وثورة الغضب والحفاظ على النسل، وغير ذلك من الغرائز التي يتطلَّبها الجسم ضرورة، بل وبقاء الحياة، فقد اقتضت حكمة الله تعالى أنَّ الرجل والمرأة لا يستغني أحدهما عن الآخر في إشباع حب النسل، واقضت حكمته أن يثور الشخص غضبًا عندما يتعرَّض للذلِّ أو للقهر والظلم حفاظًا على حياته، واقتضت حكمته أن الإنسان يحب المال حفاظًا على مصالحه، فجاءت الكنيسة لتغير هذه المفاهيم وغيرها رأسًا على عقب، ونظرت إلى كل ذلك على أنه قصور معيب في الإنسان السويّ، في الوقت الذي كان رجال الدين النصراني يعبُّون في الشهوات عبًّا, وحب المال, وغير ذلك من الغرائز المودعة في الإنسان، ولقد سمعت هذه الأيام من إذاعة لندن ما تشمئز منه النفوس من جرائم الزنا واللواط لدى البابوات.
فكان ما يقوله الدين النصراني على أيدي رجاله يخالفه ما يفعله القائمون عليه مخالفة صارخة -ولا بُدَّ أن تأتي هذه المخالفة شاءوا أم أبوا- سنة الله في خلقه، فكان أقلَّ ما يوصف به رجال دينهم هو النفاق والخداع, واستغفال الشعوب ونهب الخيرات بحيلة التدين, مضافًا إليه سطوة الحكم الذي لا رحمة فيه على من يخالف أو يعترض، ووجد اللادينيون أن إزاحة القشرة عن أعين الشعوب ليروا ما هم فيه من الغَبْنِ لا يحتاج إلى كبير جهد.
وقد حمل هؤلاء اللادينيون كل تلك الأوضاع على الدين، وبالتالي على الله تعالى, الذي ينسب إليه هذا الدين, الذي يكبت الحريَّات ويقيِّد تصرفات الناس حسب رغباتهم، وعلى هذا الأساس قامت المجتمعات الأوربية حرب للفضائل كلها، وللقيم التي دعت إليها الأديان؛ إذ أنَّ الحياة الجديدة لا يمكن أن تقوم ما دامت المبادئ الدينية قائمة تكبل الحريَّات وتحلّل وتحرِّم بعيدًا عن العقل, وعمَّا تقتضيه ضرورة الحياة المنفلتة الصاعدة المستقلة عن إله الكنيسة, وعن رجال الدين الذين كانوا يقولون ما لا يفعلون, وينافقون ويتصنَّعون الزهد والعفة والرحمة, بينما تكشف أفعالهم