[الفصل الرابع: هل حقق الأوربيون مطالبهم في الديمقراطية حقيقة؟]
لا شكَّ أن ما سبق ذكره يعتبر مكاسب هائلة وفي غاية الروعة -لو طبقت كما قيل عنها, ولكن الواقع أن المتسلِّطين من الجبابرة لم يكونوا ليسمحوا بتحقيق كل ذلك طواعيةً وعطفًا لو لم توجد الصحوة الأوربية على استبداد مظالم جبابرة الإقطاع والبابوات التي هزتهم هزًّا عنيفًا, على أنهم في الواقع وصلوا إلى خير مما كانوا عليه, مع أنهم لم يصلوا إلى المدى الذي كان يجب أن يقفوا عنده, فلازالت المظالم, ولا زال للجاه حكمه؛ لأن هذا الأمر لا بُدَّ من وقوعه حينما يعتقد المسيطرون القوة الذاتية التي تراقب الله تعالى, تعلم أنها ستحاسب أمامه -عز وجل- عن كل ما يصدر عنها من قول أو فعل؛ إذ أن قوة القانون لا تصل إلى الضمير ولا تحُدّ من الطغيان إلّا قليلًا ظاهرًا, وحسب المصالح ووجود القوة الرادعة, فإن طبيعة الإنسان -لو لم تهذب بالدين- دائمًا تجنح إلى الاستعلاء وجمع المال وإحاطة النفس بأقصى الحماية, حتى ولو تَمَّ ذلك على حساب الغير, وهو ما وقع فعلًا في الديمقراطية الغربية, رغم تلك المظاهر السابقة كلها أن الديمقراطية لم تستطع محاسبة الجشعين المنتفعين بالأموال الربوية على حساب الكادحين, ولم تستطع أن تجعل من الرأسمالي محسنًا كريمًا يبذل ما يبذله لوجه الله, لا يريد جزاءً ولا شكورًا, وهؤلاء المرابون يمثلون الإقطاعيين بكل المقاييس, فلا فرق بينهم إلّا في التسمية والأشخاص.