أما العلمانية والاقتصاد والدين، فلقد كان الاقتصاد هو العصى السحرية١ التي أسهمت في قيام المذهب العلماني، فقد كانت الحالة الاقتصادية في أوربا في أتعس وضع وأبأس حال, بسبب الوضع الاجتماعي المتخلِّف الذي أنتجته الديانة النصرانية وحكامها, ممثَّلة في البابوات وأصحاب الجاه والسلطان, الذين كانوا لا يهمهم إلّا ضمان استرقاق الشعوب النصرانية وإذلالها لطواغيت رجال الدين وأباطرة الدولة، ولتكن حالتهم بعد ذلك إلى النار، فالدولة ليست مسئولة عن الفقراء والبائسين.
فنشط النظام الإقطاعي واستبداد الطبقة العليا بمن دونها حسب النظام الجاهلي، وكان النظام الاقتصادي مكبَّلًا بتعاليم الكنيسة تحليلًا وتحريمًا، وكان قائمًا على ظلم الكادحين, وشَرِهَ رجال الكنيسة الذين احتووا جُلَّ مصادر الاقتصاد مضافًا إلى ذلك صنفوف الضرائب المفروضة على الفلاحين وغيرهم, الذين كانوا يُسَخَّرون كلهم كما يُسَخَّر العبيد.
وعاش المجتمع النصراني اقتصادًا ظالمًا متناقضًا غاية التناقض, منهم نخبة -الحكّام والرهبان- في الثُّريَّا، ومنهم قسم -بقية الشعوب- في الثرى, لا يملكون إلّا ما يسدُّ رمقهم في أحسن الظروف، وفشا النظام الإقطاعي بأجلى صوره, وأصبح فيه الأرِقَّاء لا يزد أحدهم عن كونه إحدى القطع, أو إحدى البهائم التي يملكها صاحب الإقطاعية من طبقة النبلاء،
١ هذا الأسلوب يستعمله بعض الكُتَّاب، ويرى البعض المنع من ذلك بحجَّة أن عصا موسى لم تكن سحرية، ولا شكَّ في صواب المنع إذا أريد هذا المفهوم.